القول في
تأويل قوله تعالى : ( فأرسل فرعون في المدائن حاشرين ( 53 )
إن هؤلاء لشرذمة قليلون ( 54 )
وإنهم لنا لغائظون ( 55 )
وإنا لجميع حاذرون ( 56 ) )
يقول تعالى ذكره : فأرسل
فرعون في المدائن يحشر له جنده وقومه ويقول لهم ( إن هؤلاء ) يعني بهؤلاء :
بني إسرائيل (
لشرذمة قليلون ) يعني بالشرذمة : الطائفة والعصبة الباقية من عصب جبيرة ، وشرذمة كل شيء : بقيته القليلة ; ومنه قول الراجز :
جاء الشتاء وقميصي أخلاق شراذم يضحك منه التواق
وقيل : قليلون ، لأن كل جماعة منهم كان يلزمها معنى القلة ; فلما جمع جمع جماعاتهم قيل : قليلون ، كما قال الكميت :
فرد قواصي الأحياء منهم فقد صاروا كحي واحدينا
[ ص: 351 ]
وذكر أن الجماعة التي سماها
فرعون شرذمة قليلين ، كانوا ست مئة ألف وسبعين ألفا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
سفيان ، عن
أبي إسحاق ، عن
أبي عبيدة : (
إن هؤلاء لشرذمة قليلون ) ، قال : كانوا ست مئة وسبعين ألفا .
قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
إسرائيل ، عن
أبي إسحاق ، عن
أبي عبيدة ، عن
عبد الله ، قال : الشرذمة : ست مئة ألف وسبعون ألفا .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح ، قال : ثنا
موسى بن عبيدة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16439عبد الله بن شداد بن الهاد ، قال : اجتمع
يعقوب وولده إلى
يوسف ، وهم اثنان وسبعون ، وخرجوا مع
موسى وهم ست مئة ألف ، فقال
فرعون (
إن هؤلاء لشرذمة قليلون ) ، وخرج
فرعون على فرس أدهم حصان على لون فرسه في عسكره ثمان مئة ألف .
حدثني
يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
سعيد الجريري ، عن
أبي السليل ، عن
قيس بن عباد ، قال : وكان من أكثر الناس أو أحدث الناس عن
بني إسرائيل ، قال : فحدثنا أن الشرذمة الذين سماهم
فرعون من
بني إسرائيل كانوا ست مئة ألف ، قال : وكان مقدمة
فرعون سبعة مئة ألف ، كل رجل منهم على حصان على رأسه بيضة ، وفي يده حربة ، وهو خلفهم في الدهم . فلما انتهى
موسى ببني إسرائيل إلى البحر ، قالت
بنو إسرائيل . يا
موسى أين ما وعدتنا ، هذا البحر بين أيدينا ، وهذا
فرعون وجنوده قد دهمنا من خلفنا ، فقال
موسى للبحر : انفلق أبا خالد ، قال : لا لن أنفلق لك يا
موسى ، أنا أقدم منك خلقا ; قال : فنودي أن اضرب بعصاك البحر ، فضربه ، فانفلق البحر ، وكانوا اثني عشر سبطا . قال
الجريري . فأحسبه قال : إنه كان لكل سبط طريق ، قال : فلما انتهى أول جنود
فرعون إلى البحر ، هابت الخيل اللهب ; قال : ومثل لحصان منها فرس وديق ، فوجد ريحها فاشتد ، فاتبعه الخيل ; قال : فلما تتام آخر جنود
فرعون في البحر ، وخرج آخر
بني إسرائيل ، أمر البحر فانصفق عليهم ، فقالت
بنو إسرائيل : ما مات
فرعون وما كان ليموت أبدا ، فسمع الله تكذيبهم نبيه عليه السلام ، قال : فرمى به على الساحل ، كأنه ثور أحمر يتراءاه
بنو إسرائيل .
[ ص: 352 ]
حدثنا
موسى ، قال : ثنا
عمرو ، قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، في قوله : (
إن هؤلاء لشرذمة قليلون ) يعني
بني إسرائيل .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله : (
إن هؤلاء لشرذمة قليلون ) قال : هم يومئذ ست مئة ألف ، ولا يحصى عدد أصحاب
فرعون .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قوله : (
وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون ) قال : أوحى الله إلى
موسى أن اجمع
بني إسرائيل ، كل أربعة أبيات في بيت ، ثم اذبحوا أولاد الضأن ، فاضربوا بدمائها على الأبواب ، فإني سآمر الملائكة أن لا تدخل بيتا على بابه دم ، وسآمرهم بقتل أبكار آل
فرعون من أنفسهم وأموالهم ، ثم اخبزوا خبزا فطيرا ، فإنه أسرع لكم ، ثم أسر بعبادي حتى تنتهي للبحر ، فيأتيك أمري ، ففعل ; فلما أصبحوا قال
فرعون : هذا عمل
موسى وقومه قتلوا أبكارنا من أنفسنا وأموالنا ، فأرسل في أثرهم ألف ألف وخمس مئة ألف وخمس مئة ملك مسور ، مع كل ملك ألف رجل ، وخرج
فرعون في الكرش العظمى ، وقال (
إن هؤلاء لشرذمة قليلون ) قال : قطعة ، وكانوا ست مئة ألف ، مئتا ألف منهم أبناء عشرين سنة إلى أربعين .
قال : ثني
حجاج ، عن
أبي بكر بن حوشب ، عن
ابن عباس ، قال : كان مع
فرعون يومئذ ألف جبار ، كلهم عليه تاج ، وكلهم أمير على خيل .
قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : كانوا ثلاثين ملكا ساقة خلف
فرعون يحسبون أنهم معهم
وجبرائيل أمامهم ، يرد أوائل الخيل على أواخرها ، فأتبعهم حتى انتهى إلى البحر ، وقوله : (
وإنهم لنا لغائظون ) يقول : وإن هؤلاء الشرذمة لنا لغائظون ، فذكر أن غيظهم إياهم كان قتل الملائكة من قتلت من أبكارهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قوله : (
وإنهم لنا لغائظون ) يقول : بقتلهم أبكارنا من أنفسنا وأموالنا . وقد يحتمل أن يكون معناه : وإنهم لنا لغائظون بذهابهم منهم بالعواري التي كانوا استعاروها منهم من الحلي ،
[ ص: 353 ] ويحتمل أن يكون ذلك بفراقهم إياهم ، وخروجهم من أرضهم بكره لهم لذلك .
وقوله (
وإنا لجميع حاذرون ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة
قراء الكوفة (
وإنا لجميع حاذرون ) بمعنى : أنهم معدون مؤدون ذوو أداة وقوة وسلاح . وقرأ ذلك عامة
قراء المدينة والبصرة : " وأنا لجميع حذرون " بغير ألف . وكان
الفراء يقول : كأن الحاذر الذي يحذرك الآن ، وكأن الحذر المخلوق حذرا لا تلقاه إلا حذرا ; ومن الحذر قول
ابن أحمر :
هل أنسأن يوما إلى غيره إني حوالي وإني حذر
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مستفيضتان في قراء الأمصار متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ ، فمصيب الصواب فيه .
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
سفيان ، عن
أبي إسحاق ، قال : سمعت
الأسود بن زيد يقرأ : (
وإنا لجميع حاذرون ) قال : مقوون مؤدون .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح ، قال : ثنا
عيسى بن عبيد ، عن
أيوب ، عن
أبي العرجاء ، عن
الضحاك بن مزاحم أنه كان يقرأ : (
وإنا لجميع حاذرون ) يقول : مؤدون .
[ ص: 354 ]
حدثنا
موسى ، قال : ثنا
عمرو ، قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في قوله : (
وإنا لجميع حاذرون ) يقول : حذرنا ، قال : جمعنا أمرنا .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : (
وإنا لجميع حاذرون ) قال : مؤدون معدون في السلاح والكراع .
ثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج أبو معشر ، عن
محمد بن قيس قال : كان مع
فرعون ست مئة ألف حصان أدهم سوى ألوان الخيل .
حدثنا
عمرو بن علي ، قال : ثنا
أبو داود ، قال : ثنا
سليمان بن معاذ الضبي ، عن
عاصم ابن بهدلة ، عن
أبي رزين ، عن
ابن عباس أنه قرأها : (
وإنا لجميع حاذرون ) قال : مؤدون مقوون .