القول في
تأويل قوله تعالى : ( فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون ( 61 )
قال كلا إن معي ربي سيهدين ( 62 )
فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ( 63 ) )
يقول تعالى ذكره : فلما تناظر الجمعان : جمع
موسى وهم
بنو إسرائيل ، وجمع
فرعون وهم
القبط (
قال أصحاب موسى إنا لمدركون ) أي إنا لملحقون ، الآن يلحقنا
فرعون وجنوده فيقتلوننا ، وذكر أنهم قالوا ذلك
لموسى ، تشاؤما
بموسى .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال : قلت
لعبد الرحمن (
فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون ) قال : تشاءموا
بموسى ، وقالوا : (
أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا ) .
حدثنا
موسى ، قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
فلما تراءى الجمعان ) فنظرت
بنو إسرائيل إلى
فرعون قد رمقهم قالوا ( إنا لمدركون
قالوا يا موسى أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا ) اليوم يدركنا
فرعون فيقتلنا ، إنا لمدركون ; البحر بين أيدينا ،
وفرعون من خلفنا .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
أبي بكر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب ، عن
ابن عباس ، قال : لما انتهى
موسى إلى البحر ، وهاجت الريح العاصف ، فنظر أصحاب
موسى خلفهم إلى الريح ، وإلى البحر أمامهم (
قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين ) .
[ ص: 356 ]
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار سوى الأعرج (
إنا لمدركون ) ، وقرأه الأعرج : " إنا لمدركون " كما يقال نزلت ، وأنزلت . والقراءة عندنا التي عليها قراء الأمصار ، لإجماع الحجة من القراء عليها .
وقوله : (
كلا إن معي ربي سيهدين ) قال
موسى لقومه : ليس الأمر كما ذكرتم ، كلا لن تدركوا إن معي ربي سيهدين ، يقول : سيهدين لطريق أنجو فيه من
فرعون وقومه .
كما حدثني
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16439عبد الله بن شداد بن الهاد ، قال : لقد ذكر لي أنه خرج
فرعون في طلب
موسى على سبعين ألفا من دهم الخيل ، سوى ما في جنده من شية الخيل ، وخرج
موسى حتى إذا قابله البحر ، ولم يكن عنه منصرف ، طلع
فرعون في جنده من خلفهم (
فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين ) أي للنجاة ، وقد وعدني ذلك ، ولا خلف لموعوده .
حدثنا
موسى ، قال : ثنا
عمرو ، قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
قال كلا إن معي ربي سيهدين ) يقول : سيكفيني ، وقال : ( عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ، وقوله : فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق ) ذكر أن الله كان قد أمر البحر أن لا ينفلق حتى يضربه
موسى بعصاه .
حدثنا موسى ، قال : ثنا
عمرو ، قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، قال : فتقدم
هارون فضرب البحر ، فأبى أن ينفتح ، وقال : من هذا الجبار الذي يضربني ، حتى أتاه
موسى فكناه أبا خالد ، وضربه فانفلق .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، قال : ثني
محمد بن إسحاق ، قال : أوحى الله فيما ذكر إلى البحر : إذا ضربك
موسى بعصاه فانفلق له ، قال : فبات البحر يضرب بعضه بعضا فرقا من الله ، وانتظار أمره ،
وأوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر ، فضربه بها وفيها سلطان الله الذي أعطاه ، فانفلق .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
أبو أحمد ، قال : ثنا
سفيان ، ظن
سليمان التيمي ، عن
أبي السليل ، قال : لما ضرب
موسى بعصاه البحر ، قال : إيها أبا خالد ، فأخذه أفكل .
[ ص: 357 ]
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثنا
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،
وحجاج عن
أبي بكر بن عبد الله وغيره ، قالوا : لما انتهى
موسى إلى البحر وهاجت الريح والبحر يرمي بتياره ، ويموج مثل الجبال ، وقد أوحى الله إلى البحر أن لا ينفلق حتى يضربه
موسى بالعصا ، فقال له
يوشع : يا كليم الله أين أمرت ؟ قال : ههنا ، قال : فجاز البحر ما يواري حافره الماء ، فذهب القوم يصنعون مثل ذلك ، فلم يقدروا ، وقال له الذي يكتم إيمانه : يا كليم الله أين أمرت ؟ قال : ههنا ، فكبح فرسه بلجامه حتى طار الزبد من شدقيه ، ثم قحمه البحر فأرسب في الماء ، فأوحى الله إلى
موسى أن اضرب بعصاك البحر ، فضرب بعصاه
موسى البحر فانفلق ، فإذا الرجل واقف على فرسه لم يبتل سرجه ولا لبده .
وقوله : (
فكان كل فرق كالطود العظيم ) يقول تعالى ذكره : فكان كل طائفة من البحر لما ضربه
موسى كالجبل العظيم . وذكر أنه انفلق اثنتي عشرة فلقة على عدد الأسباط ، لكل سبط منهم فرق .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
موسى ، قال : ثنا
عمرو ، قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ) يقول : كالجبل العظيم ، فدخلت
بنو إسرائيل ، وكان في البحر اثنا عشر طريقا ، في كل طريق سبط ، وكان الطريق كما إذا انفلقت الجدران ، فقال كل سبط : قد قتل أصحابنا ; فلما رأى ذلك
موسى دعا الله فجعلها قناطر كهيئة الطيقان ، فنظر آخرهم إلى أولهم حتى خرجوا جميعا .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،
وحجاج ، عن
أبي بكر بن عبد الله وغيره قالوا : انفلق البحر ، فكان كل فرق كالطود العظيم ، اثنا عشر طريقا في كل طريق سبط ، وكان
بنو إسرائيل اثني عشر سبطا ، وكانت الطرق بجدران ، فقال كل سبط : قد قتل أصحابنا ; فلما رأى ذلك
موسى ، دعا الله فجعلها لهم بقناطر كهيئة الطيقان ، ينظر بعضهم إلى بعض ، وعلى أرض يابسة كأن الماء لم يصبها قط حتى عبر .
قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : لما انفلق البحر لهم صار فيه
[ ص: 358 ] كوى ينظر بعضهم إلى بعض .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، قال : ثني
محمد بن إسحاق : (
فكان كل فرق كالطود العظيم ) أي كالجبل على نشز من الأرض .
حدثني
علي ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
فكان كل فرق كالطود العظيم ) يقول : كالجبل .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول ، في قوله : (
كالطود العظيم ) قال : كالجبل العظيم .
ومنه قول
الأسود بن يعفر :
حلوا بأنقرة يسيل عليهم ماء الفرات يجيء من أطواد
يعني بالأطواد : جمع طود ، وهو الجبل .