القول في
تأويل قوله تعالى : ( ولا تطيعوا أمر المسرفين ( 151 )
الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ( 152 )
قالوا إنما أنت من المسحرين ( 153 ) )
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل
صالح لقومه من
ثمود : لا تطيعوا أيها القوم أمر المسرفين على أنفسهم في تماديهم في معصية الله ، واجترائهم على سخطه ، وهم الرهط التسعة الذين كانوا يفسدون في الأرض ، ولا يصلحون من ثمود الذين وصفهم الله جل ثناؤه بقوله : (
وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) يقول : الذين يسعون في أرض الله بمعاصيه ، ولا يصلحون ، يقول : ولا يصلحون أنفسهم بالعمل بطاعة الله .
وقوله : (
إنما أنت من المسحرين ) اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معناه إنما أنت من المسحورين .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد :
[ ص: 385 ] (
إنما أنت من المسحرين ) قال : من المسحورين .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
حدثنا
الحسن ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : (
إنما أنت من المسحرين ) قال : إنما أنت من المسحورين .
وقال آخرون : معناه : من المخلوقين .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عبيد ، قال : ثنا
موسى بن عمرو ، عن
أبي صالح ، عن
ابن عباس ، في قوله : (
إنما أنت من المسحرين ) قال : من المخلوقين .
واختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى ذلك ، فكان بعض أهل
البصرة يقول : كل من أكل من إنس أو دابة فهو مسحر ، وذلك لأن له سحرا يقري ما أكل فيه ، واستشهد على ذلك بقول
لبيد :
فإن تسألينا فيم نحن فإننا عصافير من هذا الأنام المسحر
وقال بعض نحويي
الكوفيين نحو هذا ، غير أنه قال : أخذ من قولك : انتفخ سحرك : أي أنك تأكل الطعام والشراب ، فتسحر به وتعلل . وقال : معنى قول
لبيد : " من هذا الأنام المسحر " : من هذا الأنام المعلل المخدوع . قال : ويروى أن السحر من ذلك ، لأنه كالخديعة .
[ ص: 386 ]
والصواب من القول في ذلك عندي : القول الذي ذكرته عن
ابن عباس ، أن معناه : إنما أنت من المخلوقين الذين يعللون بالطعام والشراب مثلنا ، ولست ربا ولا ملكا فنطيعك ، ونعلم أنك صادق فيما تقول . والمسحر : المفعل من السحرة ، وهو الذي له سحرة .