القول في
تأويل قوله تعالى : ( فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون ( 216 )
وتوكل على العزيز الرحيم ( 217 )
الذي يراك حين تقوم ( 218 )
وتقلبك في الساجدين ( 219 )
إنه هو السميع العليم ( 220 ) )
يقول تعالى ذكره : فإن عصتك يا
محمد عشيرتك الأقربون الذين أمرتك بإنذارهم ، وأبوا إلا الإقامة على عبادة الأوثان ، والإشراك بالرحمن ، فقل لهم : (
إني بريء مما تعملون ) من عبادة الأصنام ومعصية بارئ الأنام . (
وتوكل على العزيز ) في نقمته من أعدائه ( الرحيم ) بمن أناب إليه وتاب من معاصيه .
(
الذي يراك حين تقوم ) يقول : الذي يراك حين تقوم إلى صلاتك .
وكان
مجاهد يقول في تأويل ذلك ما حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، قوله : (
الذي يراك حين تقوم ) قال : أينما كنت .
(
وتقلبك في الساجدين ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : ويرى تقلبك في صلاتك حين تقوم ، ثم تركع ، وحين تسجد .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
وتقلبك في الساجدين ) يقول : قيامك وركوعك وسجودك .
[ ص: 412 ]
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
سفيان ، قال : سمعت أبي
وعلي بن بذيمة يحدثان عن
عكرمة في قوله : (
يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين ) قال : قيامه وركوعه وسجوده .
حدثنا
الحسن ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، قال : قال
عكرمة ، في قوله : (
وتقلبك في الساجدين ) قال : قائما وساجدا وراكعا وجالسا .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ويرى تقلبك في المصلين ، وإبصارك منهم من هو خلفك ، كما تبصر من هو بين يديك منهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
سفيان ، عن ليث ، عن
مجاهد : (
وتقلبك في الساجدين ) كان يرى من خلفه ، كما يرى من قدامه .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قوله : (
وتقلبك في الساجدين ) قال : المصلين كان يرى من خلفه في الصلاة .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، قوله : (
وتقلبك في الساجدين ) قال : المصلين ، قال : كان يرى في الصلاة من خلفه .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وتقلبك مع الساجدين : أي تصرفك معهم في الجلوس والقيام والقعود .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني عن
ابن عباس ، قال : (
وتقلبك في الساجدين ) قال : يراك وأنت مع الساجدين تقلب وتقوم وتقعد معهم .
حدثنا
الحسن ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : (
وتقلبك في الساجدين ) قال : في المصلين .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
وتقلبك في الساجدين [ ص: 413 ] ) قال : في الساجدين : المصلين .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ويرى تصرفك في الناس .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
يحيى ، قال : ثنا
ربيعة بن كلثوم ، قال : سألت
الحسن عن قوله : (
وتقلبك في الساجدين ) قال : في الناس .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وتصرفك في أحوالك كما كانت الأنبياء من قبلك تفعله ، والساجدون في قول قائل هذا القول : الأنبياء .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
ابن يمان ، عن
أشعث ، عن
جعفر ، عن
سعيد ، في قوله : ( الذي يراك ) . . . الآية ، قال : كما كانت الأنبياء من قبلك .
قال
أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بتأويله قول من قال : تأويله ويرى تقلبك مع الساجدين في صلاتهم معك ، حين تقوم معهم وتركع وتسجد ، لأن ذلك هو الظاهر من معناه . فأما قول من وجهه إلى أن معناه : وتقلبك في الناس ، فإنه قول بعيد من المفهوم بظاهر التلاوة ، وإن كان له وجه ، لأنه وإن كان لا شيء إلا وظله يسجد لله ، فإنه ليس المفهوم من قول القائل : فلان مع الساجدين ، أو في الساجدين ، أنه مع الناس أو فيهم ، بل المفهوم بذلك أنه مع قوم سجود ، السجود المعروف ، وتوجيه معاني كلام الله إلى الأغلب أولى من توجيهه إلى الأنكر .
وكذلك أيضا في قول من قال : معناه : تتقلب في أبصار الساجدين ، وإن كان له وجه ، فليس ذلك الظاهر من معانيه .
فتأويل الكلام إذن : وتوكل على العزيز الرحيم ، الذي يراك حين تقوم إلى صلاتك ، ويرى تقلبك في المؤتمين بك فيها بين قيام وركوع وسجود وجلوس .
وقوله : (
إنه هو السميع العليم ) يقول تعالى ذكره : إن ربك هو السميع تلاوتك يا
محمد ، وذكرك في صلاتك ما تتلو وتذكر ، العليم بما تعمل فيها ويعمل فيها من يتقلب فيها معك مؤتما بك ، يقول : فرتل فيها القرآن ، وأقم حدودها ، فإنك بمرأى من ربك ومسمع .