1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة النمل
  4. القول في تأويل قوله تعالى " وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ( 20 ) لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين ( 21 ) )

يقول تعالى ذكره : ( وتفقد ) سليمان ( الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد ) . وكان سبب تفقده الطير وسؤاله عن الهدهد خاصة من بين الطير ، ما حدثنا ابن عبد الأعلى ، [ ص: 441 ] قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت عمران عن أبي مجلز ، قال : جلس ابن عباس إلى عبد الله بن سلام ، فسأله عن الهدهد : لم تفقده سليمان من بين الطير فقال عبد الله بن سلام : إن سليمان نزل منزلة في مسير له ، فلم يدر ما بعد الماء ، فقال : من يعلم بعد الماء ؟ قالوا : الهدهد ، فذاك حين تفقده .

حدثنا محمد ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا عمران بن حدير ، عن أبي مجلز ، عن ابن عباس وعبد الله بن سلام بنحوه .

حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كان سليمان بن داود يوضع له ست مائة كرسي ، ثم يجيء أشراف الإنس فيجلسون مما يليه ، ثم تجيء أشراف الجن فيجلسون مما يلي الإنس قال : ثم يدعو الطير فتظلهم ، ثم يدعو الريح فتحملهم ، قال : فيسير في الغداة الواحدة مسيرة شهر ، قال : فبينا هو في مسيره إذ احتاج إلى الماء وهو في فلاة من الأرض ، قال : فدعا الهدهد ، فجاءه فنقر الأرض ، فيصيب موضع الماء ، قال : ثم تجيء الشياطين فيسلخونه كما يسلخ الإهاب ، قال : ثم يستخرجون الماء . فقال له نافع بن الأزرق : قف يا وقاق ، أرأيت قولك : الهدهد يجيء فينقر الأرض ، فيصيب الماء ، كيف يبصر هذا ، ولا يبصر الفخ يجيء حتى يقع في عنقه ؟ قال : فقال له ابن عباس : ويحك إن القدر إذا جاء حال دون البصر .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه ، قال : كان سليمان بن داود إذا خرج من بيته إلى مجلسه عكفت عليه الطير ، وقام له الجن والإنس حتى يجلس على سريره ، حتى إذا كان ذات غداة في بعض زمانه غدا إلى مجلسه الذي كان يجلس فيه ، فتفقد الطير . وكان فيما يزعمون يأتيه نوبا من كل صنف من الطير طائر ، فنظر فرأى من أصناف الطير كلها قد حضره إلا الهدهد ، فقال : ما لي لا أرى الهدهد .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : أول ما فقد سليمان الهدهد نزل بواد فسأل الإنس عن ماءه ، فقالوا : ما نعلم له ماء ، فإن يكن أحد من جنودك يعلم له ماء فالجن ، فدعا الجن فسألهم ، فقالوا : ما نعلم له ماء وإن يكن [ ص: 442 ] أحد من جنودك يعلم له ماء فالطير ، فدعا الطير فسألهم ، فقالوا : ما نعلم له ماء ، وإن يكن أحد من جنودك يعلمه فالهدهد ، فلم يجده ، قال : فذاك أول ما فقد الهدهد .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ) قال : تفقد الهدهد من أجل أنه كان يدله على الماء إذا ركب ، وإن سليمان ركب ذات يوم فقال : أين الهدهد ليدلنا على الماء ؟ فلم يجده ; فمن أجل ذلك تفقده ، فقال ابن عباس : إن الهدهد كان ينفعه الحذر ما لم يبلغه الأجل ; فلما بلغ الأجل لم ينفعه الحذر ، وحال القدر دون البصر ، فقد اختلف عبد الله بن سلام والقائلون بقوله ووهب بن منبه ، فقال عبد الله : كان سبب تفقده الهدهد وسؤاله عنه ليستخبره عن بعد الماء في الوادي الذي نزل به في مسيره ، وقال وهب بن منبه : كان تفقده إياه وسؤاله عنه لإخلاله بالنوبة التي كان ينوبها ، والله أعلم بأي ذلك كان إذ لم يأتنا بأي ذلك كان تنزيل ، ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح .

فالصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله أخبر عن سليمان أنه تفقد الطير ، إما للنوبة التي كانت عليها وأخلت بها ، وإما لحاجة كانت إليها عن بعد الماء .

وقوله : ( فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ) يعني بقوله ( ما لي لا أرى الهدهد ) أخطأه بصري فلا أراه وقد حضر أم هو غائب فيما غاب من سائر أجناس الخلق فلم يحضر ؟ .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه : ( ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ) أخطأه بصري في الطير ، أم غاب فلم يحضر ؟ .

وقوله : ( لأعذبنه عذابا شديدا ) يقول : فلما أخبر سليمان عن الهدهد أنه لم يحضر ، وأنه غائب غير شاهد ، أقسم ( لأعذبنه عذابا شديدا ) وكان تعذيبه الطير فيما ذكر عنه إذا عذبها أن ينتف ريشها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 443 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب قال : ثنا الحماني ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : ( لأعذبنه عذابا شديدا ) قال : نتف ريشه .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن عطية ، عن شريك ، عن عطاء ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في : ( لأعذبنه عذابا شديدا ) عذابه : نتفه وتشميسه .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( لأعذبنه عذابا شديدا ) قال : نتف ريشه وتشميسه .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( لأعذبنه عذابا شديدا ) قال : نتف ريشه كله .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : ( لأعذبنه عذابا شديدا ) قال : نتف ريش الهدهد كله ، فلا يغفو سنة .

قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : نتف ريشه .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( لأعذبنه عذابا شديدا ) يقول : نتف ريشه .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، قال : ثني ابن إسحاق ، عن يزيد بن رومان أنه حدث أن عذابه الذي كان يعذب به الطير نتف جناحه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : قيل لبعض أهل العلم : هذا الذبح ، فما العذاب الشديد ؟ . قال : نتف ريشه بتركه بضعة تنزو .

حدثنا سعيد بن الربيع الرازي ، قال : ثنا سفيان ، عن عمرو بن بشار ، عن ابن عباس ، في قوله : ( لأعذبنه عذابا شديدا ) قال : نتفه .

حدثني سعيد بن الربيع ، قال : ثنا سفيان ، عن حسين بن أبي شداد ، قال : نتفه وتشميسه ( أو لأذبحنه ) يقول : أو لأقتلنه . [ ص: 444 ]

كما حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : ( أو لأذبحنه ) يقول : أو لأقتلنه .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا عباد بن العوام ، عن حصين ، عن عبد الله بن شداد : ( لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه ) . . . الآية ، قال : فتلقاه الطير ، فأخبره ، فقال : ألم يستثن .

وقوله : ( أو ليأتيني بسلطان مبين ) يقول : أو ليأتيني بحجة تبين لسامعها صحتها وحقيقتها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا علي بن الحسين الأزدي ، قال : ثنا المعافى بن عمران ، عن سفيان ، عن عمار الدهني ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كل سلطان في القرآن فهو حجة .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( أو ليأتيني بسلطان مبين ) يقول : ببينة أعذره بها ، وهو مثل قوله : ( الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان ) يقول : بغير بينة .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا سفيان ، عن رجل ، عن عكرمة ، قال : كل شيء في القرآن سلطان ، فهو حجة .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا عبد الله بن يزيد ، عن قباث بن رزين ، أنه سمع عكرمة يقول : سمعت ابن عباس يقول : كل سلطان في القرآن فهو حجة ، كان للهدهد سلطان .

حدثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة : ( أو ليأتيني بسلطان مبين ) قال : بعذر بين .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه : ( أو ليأتيني بسلطان مبين ) : أي بحجة عذر له في غيبته .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( أو ليأتيني بسلطان مبين ) يقول : ببينة ، وهو قول الله ( الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان ) بغير بينة . [ ص: 445 ]

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( أو ليأتيني بسلطان مبين ) قال : بعذر أعذره فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية