القول في تأويل قوله تعالى : (
ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون ( 25 )
الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم ( 26 ) )
اختلف القراء في قراءة قوله (
ألا يسجدوا لله ) فقرأ بعض
المكيين وبعض
المدنيين والكوفيين " ألا " بالتخفيف ، بمعنى : ألا يا هؤلاء اسجدوا ، فأضمروا " هؤلاء " اكتفاء
[ ص: 448 ] بدلالة " يا " عليها . وذكر بعضهم سماعا من العرب : ألا يا ارحمنا ، ألا يا تصدق علينا ; واستشهد أيضا ببيت
الأخطل :
ألا يا اسلمي يا هند هند بني بدر وإن كان حيانا عدا آخر الدهر
فعلى هذه القراءة اسجدوا في هذا الموضع جزم ، ولا موضع لقوله " ألا " في الإعراب . وقرأ ذلك عامة
قراء المدينة والكوفة والبصرة (
ألا يسجدوا ) بتشديد ألا بمعنى : وزين لهم الشيطان أعمالهم لئلا يسجدوا لله " ألا " في موضع نصب لما ذكرت من معناه أنه لئلا ( ويسجدوا ) في موضع نصب بأن .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء مع صحة معنييهما .
واختلف أهل العربية في وجه دخول " يا " في قراءة من قرأه على وجه الأمر ، فقال بعض
نحويي البصرة : من قرأ ذلك كذلك ، فكأنه جعله أمرا ، كأنه قال لهم : اسجدوا ، وزاد " يا " بينهما التي تكون للتنبيه ، ثم أذهب ألف الوصل التي في اسجدوا ، وأذهبت الألف التي في " يا " ; لأنها ساكنة لقيت السين ، فصار ألا يسجدوا . وقال بعض
نحويي الكوفة : هذه " يا " التي تدخل للنداء يكتفى بها من الاسم ، ويكتفى بالاسم منها ، فتقول : يا أقبل ، وزيد أقبل ، وما سقط من السواكن فعلى هذا .
ويعني بقوله : (
يخرج الخبء ) يخرج المخبوء في السماوات والأرض من غيث في السماء ، ونبات في الأرض ونحو ذلك .
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وإن اختلفت عبارتهم عنه .
[ ص: 449 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
ابن المبارك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قراءة عن
مجاهد : (
يخرج الخبء في السماوات ) قال : الغيث .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
يخرج الخبء ) قال : الغيث .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ) قال : خبء السماء والأرض ما جعل الله فيها من الأرزاق ، والمطر من السماء ، والنبات من الأرض ، كانتا رتقا لا تمطر هذه ، ولا تنبت هذه ، ففتق السماء وأنزل منها المطر ، وأخرج النبات .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثنا
عيسى بن يونس ، عن
إسماعيل بن أبي خالد ، عن
حكيم بن جابر ، في قوله : (
ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ) ويعلم كل خفية في السموات والأرض .
حدثني
محمد بن عمارة ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16527عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا
أسامة بن زيد ، عن
معاذ بن عبد الله ، قال : رأيت
ابن عباس على بغلة يسأل
تبعا ابن امرأة
كعب : هل سألت
كعبا عن البذر تنبت الأرض العام لم يصب العام الآخر ؟ قال : سمعت
كعبا يقول : البذر ينزل من السماء ويخرج من الأرض ، قال : صدقت .
قال
أبو جعفر : إنما هو
تبيع ، ولكن هكذا قال
محمد : وقيل : يخرج الخبء في السماوات والأرض ، لأن العرب تضع " من " مكان " في " و" في " مكان " من " في الاستخراج (
ويعلم ما تخفون وما تعلنون ) يقول : ويعلم السر من أمور خلقه ، هؤلاء الذين زين لهم الشيطان أعمالهم والعلانية منها ، وذلك على قراءة من قرأ ألا بالتشديد . وأما على قراءة من قرأ بالتخفيف فإن معناه : ويعلم ما يسره خلقه الذين أمرهم بالسجود بقوله : " ألا يا هؤلاء اسجدوا " . وقد ذكر أن ذلك في قراءة
أبي : " ألا تسجدوا لله الذي يعلم سركم وما تعلنون " .
وقوله : (
الله لا إله إلا هو ) يقول تعالى ذكره : الله الذي لا تصلح العبادة إلا له ، لا إله إلا هو ، لا معبود سواه تصلح له العبادة ، فأخلصوا له
[ ص: 450 ] العبادة ، وأفردوه بالطاعة ، ولا تشركوا به شيئا (
رب العرش العظيم ) يعني بذلك : مالك العرش العظيم الذي كل عرش وإن عظم فدونه ، لا يشبهه عرش ملكة سبأ ولا غيره .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ; في قوله : (
أحطت بما لم تحط به ) إلى قوله (
لا إله إلا هو رب العرش العظيم ) هذا كله كلام الهدهد .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق بنحوه .