القول في
تأويل قوله تعالى : ( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ( 48 )
قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ( 49 ) )
يقول تعالى ذكره : وكان في مدينة
صالح ، وهي
حجر ثمود ، تسعة أنفس يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، وكان إفسادهم في الأرض ، كفرهم بالله ، ومعصيتهم إياه ، وإنما خص الله جل ثناؤه هؤلاء التسعة الرهط بالخبر عنهم أنهم كانوا يفسدون في الأرض ، ولا يصلحون ، وإن كان أهل الكفر كلهم في الأرض مفسدين ، لأن هؤلاء التسعة هم الذين سعوا فيما بلغنا في عقر الناقة ، وتعاونوا عليه ، وتحالفوا على قتل
صالح من بين
قوم ثمود . وقد ذكرنا قصصهم وأخبارهم فيما مضى من كتابنا هذا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : (
تسعة رهط ) قال : من
قوم صالح .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) هم الذين عقروا الناقة ، وقالوا حين عقروها : نبيت
صالحا وأهله فنقتلهم ، ثم نقول لأولياء
صالح : ما شهدنا من هذا شيئا ، وما لنا به علم ، فدمرهم الله أجمعين .
[ ص: 478 ]
وقوله : (
قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ) يقول تعالى ذكره : قال هؤلاء التسعة الرهط الذين يفسدون في أرض
حجر ثمود ، ولا يصلحون : تقاسموا بالله : تحالفوا بالله أيها القوم ، ليحلف بعضكم لبعض : لنبيتن صالحا وأهله ، فلنقتلنه ، ثم لنقولن لوليه : ما شهدنا مهلك أهله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : (
تقاسموا بالله ) قال : تحالفوا على إهلاكه ، فلم يصلوا إليه حتى هلكوا وقومهم أجمعون .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، بنحوه .
ويتوجه قوله (
تقاسموا بالله ) إلى وجهين : أحدهما النصب على وجه الخبر ، كأنه قيل : قالوا متقاسمين ، وقد ذكر أن ذلك في قراءة
عبد الله : " ولا يصلحون تقاسموا بالله " وليس فيها " قالوا " ، فذلك من قراءته يدل على وجه النصب في " تقاسموا " على ما وصفت . والوجه الآخر : الجزم ، كأنهم قال بعضهم لبعض : اقسموا بالله ، فعلى هذا الوجه الثاني تصلح قراءة ( لنبيتنه ) بالياء والنون ، لأن القائل لهم تقاسموا ، وإن كان هو الآمر فهو فيمن أقسم ، كما يقال في الكلام : انهضوا بنا نمض إلى فلان ، وانهضوا نمضي إليه . وعلى الوجه الأول الذي هو وجه النصب القراءة فيه بالنون أفصح ، لأن معناه : قالوا متقاسمين لنبيتنه ، وقد تجوز الياء على هذا الوجه ، كما يقال في الكلام : قالوا لنكرمن أباك ، وليكرمن أباك ، وبالنون قرأ ذلك
قراء المدينة ، وعامة
قراء البصرة وبعض
الكوفيين . وأما الأغلب على
قراء أهل الكوفة ، فقراءته بالياء وضم التاء جميعا . وأما بعض
المكيين ، فقرأه بالياء .
وأعجب القراءات في ذلك إلي النون ، لأن ذلك أفصح الكلام على الوجهين اللذين بينت من النصب والجزم ، وإن كان كل ذلك صحيحا غير فاسد لما وصفت ، وأكرهها إلي القراءة بها الياء ، لقلة قارئ ذلك كذلك . وقوله : ( لنبيتنه ) قال : ليبيتن صالحا ثم يفتكوا به .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، قال : قال التسعة الذين عقروا
[ ص: 479 ] الناقة : هلم فلنقتل
صالحا ، فإن كان صادقا - يعني فيما وعدهم من العذاب بعد الثلاث - عجلناه قبله ، وإن كان كاذبا نكون قد ألحقناه بناقته ، فأتوه ليلا ليبيتوه في أهله ، فدمغتهم الملائكة بالحجارة ; فلما أبطئوا على أصحابهم أتوا منزل
صالح ، فوجدوهم مشدوخين قد رضخوا بالحجارة . وقوله : (
وإنا لصادقون ) نقول لوليه : وإنا لصادقون ، أنا ما شهدنا مهلك أهله .