القول في
تأويل قوله تعالى : ( أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون ( 60 ) )
يقول تعالى ذكره للمشركين به من
قريش : أعبادة ما تعبدون من أوثانكم التي لا تضر ولا تنفع خير ، أم عبادة من خلق السموات والأرض ؟ (
وأنزل لكم من السماء ماء ) يعني مطرا ، وقد يجوز أن يكون مريدا به العيون التي فجرها في الأرض ; لأن كل ذلك من خلقه ( فأنبتنا به ) يعني بالماء الذي أنزل من السماء ( حدائق ) وهي جمع حديقة ، والحديقة : البستان عليه حائط محوط ، وإن لم يكن عليه حائط لم يكن حديقة . وقوله : (
ذات بهجة ) يقول : ذات منظر حسن . وقيل ذات بالتوحيد . وقد قيل حدائق ، كما قال : (
ولله الأسماء الحسنى ) ، وقد بينت ذلك فيما مضى .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء ، جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في
[ ص: 484 ] قوله : (
حدائق ذات بهجة ) قال : البهجة : الفقاح مما يأكل الناس والأنعام .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، قوله : (
حدائق ذات بهجة ) قال : من كل شيء تأكله الناس والأنعام .
وقوله : (
ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ) يقول تعالى ذكره : أنبتنا بالماء الذي أنزلناه من السماء لكم هذه الحدائق ، إذ لم يكن لكم لولا أنه أنزل عليكم الماء من السماء ، طاقة أن تنبتوا شجر هذه الحدائق ، ولم تكونوا قادرين على ذهاب ذلك ، لأنه لا يصلح ذلك إلا بالماء .
وقوله : (
أإله مع الله ) يقول تعالى ذكره : أمعبود مع الله أيها الجهلة خلق ذلك ، وأنزل من السماء الماء ، فأنبت به لكم الحدائق ؟ فقوله : ( أإله ) مردود على تأويل : أمع الله إله ، (
بل هم قوم يعدلون ) يقول جل ثناؤه : بل هؤلاء المشركون قوم ضلال ، يعدلون عن الحق ، ويجورون عليه ، على عمد منهم لذلك ، مع علمهم بأنهم على خطأ وضلال ولم يعدلوا عن جهل منهم ، بأن من لا يقدر على نفع ولا ضر ، خير ممن خلق السموات والأرض ، وفعل هذه الأفعال ، ولكنهم عدلوا على علم منهم ومعرفة ، اقتفاء منهم سنة من مضى قبلهم من آبائهم .