القول في
تأويل قوله تعالى : ( إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين ( 91 ) )
يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : يا
محمد قل (
إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة ) وهي
مكة (
الذي حرمها ) على خلقه أن يسفكوا فيها دما حراما ، أو يظلموا فيها أحدا ، أو يصاد صيدها ، أو يختلى خلاها دون الأوثان التي تعبدونها أيها المشركون .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها ) يعني :
مكة .
[ ص: 511 ]
وقوله : (
وله كل شيء ) يقول : ولرب هذه البلدة الأشياء كلها ملكا . فإياه أمرت أن أعبد ، لا من لا يملك شيئا . وإنما قال جل ثناؤه : (
رب هذه البلدة الذي حرمها ) فخصها بالذكر دون سائر البلدان ، وهو رب البلاد كلها ، لأنه أراد تعريف المشركين من قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذين هم
أهل مكة ، بذلك نعمته عليهم ، وإحسانه إليهم ، وأن الذي ينبغي لهم أن يعبدوه هو الذي حرم بلدهم ، فمنع الناس منهم ، وهم في سائر البلاد يأكل بعضهم بعضا ، ويقتل بعضهم بعضا ، لا من لم تجر له عليهم نعمة ، ولا يقدر لهم على نفع ولا ضر . وقوله : (
وأمرت أن أكون من المسلمين ) يقول : وأمرني ربي أن أسلم وجهي له حنيفا ، فأكون من المسلمين الذين دانوا بدين خليله
إبراهيم وجدكم أيها المشركون ، لا من خالف دين جده المحق ، ودان دين إبليس عدو الله .