القول في
تأويل قوله تعالى : ( وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين ( 10 ) )
اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عنى الله أنه أصبح منه فؤاد أم
موسى فارغا ، فقال بعضهم : الذي عنى جل ثناؤه أنه أصبح منه فؤاد أم
موسى فارغا : كل شيء سوى
[ ص: 527 ] ذكر ابنها
موسى .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن العلاء ، قال : ثنا
جابر بن نوح ، قال : ثنا
الأعمش ، عن
مجاهد ، وحسان أبي الأشرس عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، في قوله : (
وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ) قال : فرغ من كل شيء إلا من ذكر موسى .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
سفيان ، عن
الأعمش ، عن
حسان ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس (
وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ) قال : فارغا من كل شيء إلا من ذكر
موسى .
حدثنا
محمد بن عمارة ، قال : ثنا
عبد الله ، قال : ثنا
إسرائيل ، عن
أبي إسحاق ، عن رجل ، عن
ابن عباس (
وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ) قال : فارغا من كل شيء إلا من هم
موسى .
حدثنا
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ) قال : يقول : لا تذكر إلا
موسى .
حدثنا
محمد بن عمارة ، قال : ثنا
عبد الله ، قال : ثنا
إسرائيل ، عن
أبي يحيى ، عن
مجاهد (
وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ) قال : من كل شيء غير ذكر
موسى .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ) قال : فرغ من كل شيء ، إلا من ذكر
موسى .
حدثنا
عبد الجبار بن يحيى الرملي ، قال : ثنا
ضمرة بن ربيعة ، عن
ابن شوذب ، عن
مطر ، في قوله : (
وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ) قال : فارغا من كل شيء ، إلا من هم
موسى .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ) : أي : لاغيا من كل شيء ، إلا من ذكر
موسى .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ) قال : فرغ من كل شيء ، غير ذكر
موسى .
[ ص: 528 ]
وقال آخرون : بل عنى أن فؤادها أصبح فارغا من الوحي الذي كان الله أوحاه إليها ، ، إذ أمرها أن تلقيه في اليم فقال (
ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) قال : فحزنت ونسيت عهد الله إليها ، فقال الله عز وجل : (
وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ) من وحينا الذي أوحيناه إليها .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ) قال : فارغا من الوحي الذي أوحى الله إليها حين أمرها أن تلقيه في البحر ، ولا تخاف ولا تحزن ، قال : فجاءها الشيطان ، فقال : يا أم
موسى ، كرهت أن يقتل
فرعون موسى ، فيكون لك أجره وثوابه ، وتوليت قتله ، فألقيتيه في البحر وغرقتيه ، فقال الله : (
وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ) من الوحي الذي أوحاه إليها .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
أبي بكر بن عبد الله ، قال : ثني
الحسن ، قال : أصبح فارغا من العهد الذي عهدنا إليها ، والوعد الذي وعدناها أن نرد عليها ابنها ، فنسيت ذلك كله ، حتى كادت أن تبدي به لولا أن ربطنا على قلبها .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، قال : قال
ابن إسحاق : قد كانت أم
موسى ترفع له حين قذفته في البحر ، هل تسمع له بذكر ؟ حتى أتاها الخبر بأن
فرعون أصاب الغداة صبيا في النيل في التابوت ، فعرفت الصفة ، ورأت أنه وقع في يدي عدوه الذي فرت به منه ، وأصبح فؤادها فارغا من عهد الله إليها فيه ، قد أنساها عظيم البلاء ما كان من العهد عندها من الله فيه .
وقال بعض أهل المعرفة بكلام
العرب : معنى ذلك : (
وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ) من الحزن ، لعلمها بأنه لم يغرق . قال : وهو من قولهم : دم فرغ أي لا قود ولا دية ; وهذا قول لا معنى له ; لخلافه قول جميع أهل التأويل .
قال
أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي ، قول من قال : معناه : (
وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ) من كل شيء ، إلا من هم
موسى .
وإنما قلنا : ذلك أولى الأقوال فيه بالصواب ; لدلالة قوله : (
إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها ) ولو كان عنى بذلك : فراغ قلبها من الوحي ، لم يعقب
[ ص: 529 ] بقوله : (
إن كادت لتبدي به ) لأنها إن كانت قاربت أن تبدي الوحي ، فلم تكد أن تبديه إلا لكثرة ذكرها إياه ، وولوعها به . ومحال أن تكون به ولعة إلا وهي ذاكرة .
وإذا كان ذلك كذلك ، بطل القول بأنها كانت فارغة القلب مما أوحي إليها . وأخرى أن الله تعالى ذكره أخبر عنها أنها أصبحت فارغة القلب ، ولم يخصص فراغ قلبها من شيء دون شيء ، فذلك على العموم إلا ما قامت حجته أن قلبها لم يفرغ منه . وقد ذكر عن
فضالة بن عبيد أنه كان يقرؤه : "
وأصبح فؤاد أم موسى فازعا " من الفزع .
وقوله : (
إن كادت لتبدي به ) اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عادت عليه الهاء في قوله : ( به ) فقال بعضهم : هي من ذكر
موسى ، وعليه عادت .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
جابر بن نوح ، قال : ثنا
الأعمش ، عن
مجاهد وحسان أبي الأشرس ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس (
إن كادت لتبدي به ) أن تقول : يا ابناه .
قال : ثني
يحيى بن سعيد ، عن
سفيان ، عن
الأعمش ، عن
حسان ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس (
إن كادت لتبدي به ) أن تقول : يا ابناه .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
سفيان عن
الأعمش ، عن
حسان ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس (
إن كادت لتبدي به ) أن تقول : يا ابناه .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
إن كادت لتبدي به ) أي : لتبدي به أنه ابنها من شدة وجدها .
حدثنا
موسى ، قال : ثنا
عمرو ، قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، قال : لما جاءت أمه أخذ منها ، يعني الرضاع ، فكادت أن تقول : هو ابني ، فعصمها الله ، فذلك قول الله (
إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها ) .
وقال آخرون : بما أوحيناه إليها : أي تظفر .
والصواب من القول في ذلك ما قاله الذين ذكرنا قولهم أنهم قالوا : إن كادت لتقول : يا بنياه ; لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك ، وأنه عقيب قوله : (
وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ) فلأن يكون لو لم يكن ممن ذكرنا في ذلك إجماع على ذلك من
[ ص: 530 ] ذكر
موسى ، لقربه منه ، أشبه من أن يكون من ذكر الوحي .
وقال بعضهم : بل معنى ذلك (
إن كادت لتبدي )
بموسى فتقول : هو ابني . قال : وذلك أن صدرها ضاق إذ نسب إلى
فرعون ، وقيل : ابن
فرعون . وعنى بقوله : (
لتبدي به ) لتظهره وتخبر به .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول ، في قوله : (
إن كادت لتبدي به ) : لتشعر به .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
إن كادت لتبدي به ) قال : لتعلن بأمره لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين .
وقوله : (
لولا أن ربطنا على قلبها ) يقول : لولا أن عصمناها من ذلك بتثبيتناها وتوفيقناها للسكوت عنه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قال : قال الله (
لولا أن ربطنا على قلبها ) : أي بالإيمان (
لتكون من المؤمنين ) .
حدثنا
موسى ، قال : ثنا
عمرو ، قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، قال : كادت تقول : هو ابني ، فعصمها الله ، فذلك قول الله : (
إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها ) .
وقوله : (
لتكون من المؤمنين ) يقول تعالى ذكره : عصمناها من إظهار ذلك وقيله بلسانها ، وثبتناها للعهد الذي عهدنا إليها (
لتكون من المؤمنين ) بوعد الله ، الموقنين به .