القول في تأويل قوله تعالى : (
فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين ( 21 )
ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ( 22 ) )
يقول تعالى ذكره : فخرج
موسى من مدينة
فرعون خائفا من قتله النفس أن يقتل به ( يترقب ) يقول : ينتظر الطلب أن يدركه فيأخذه . كما حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة : (
فخرج منها خائفا يترقب ) خائفا من قتله النفس يترقب الطلب (
قال رب نجني من القوم الظالمين ) .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
أبو سفيان ، عن
معمر ، عن
قتادة (
فخرج منها خائفا يترقب ) قال : خائفا من قتل النفس ، يترقب أن يأخذه الطلب .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، قال : ذكر لي أنه خرج على وجهه خائفا يترقب ما يدري أي وجه يسلك ، وهو يقول : (
رب نجني من القوم الظالمين ) .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
فخرج منها خائفا يترقب ) قال : يترقب مخافة الطلب .
وقوله : (
قال رب نجني من القوم الظالمين ) يقول تعالى ذكره : قال
موسى [ ص: 549 ] وهو شاخص عن مدينة
فرعون خائفا : رب نجني من هؤلاء القوم الكافرين ، الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بك .
وقوله : (
ولما توجه تلقاء مدين ) يقول تعالى ذكره : ولما جعل
موسى وجهه نحو
مدين ، ماضيا إليها ، شاخصا عن مدينة
فرعون ، وخارجا عن سلطانه ، (
قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ) وعنى بقوله : " تلقاء " نحو
مدين ; ويقال : فعل ذلك من تلقاء نفسه ، يعني به : من قبل نفسه ويقال : داره تلقاء دار فلان : إذا كانت محاذيتها ، ولم يصرف اسم
مدين لأنها اسم بلدة معروفة ، كذلك تفعل
العرب بأسماء البلاد المعروفة ; ومنه قول الشاعر :
رهبان مدين لو رأوك تنزلوا والعصم من شعف العقول الفادر
وقوله : (
عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ) يقول : عسى ربي أن يبين لي قصد السبيل إلى
مدين ، وإنما قال ذلك لأنه لم يكن يعرف الطريق إليها .
وذكر أن الله قيض له إذ قال : (
رب نجني من القوم الظالمين ) ملكا سدده الطريق ، وعرفه إياه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
موسى ، قال : ثنا
عمرو ، قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، قال : لما أخذ
موسى في بنيات الطريق جاءه ملك على فرس بيده عنزة ; فلما رآه
موسى سجد له من الفرق قال : لا تسجد لي ولكن اتبعني ، فاتبعه ، فهداه نحو
مدين ، وقال
موسى وهو متوجه نحو
مدين : (
عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ) فانطلق به حتى انتهى به إلى
مدين .
حدثنا
العباس ، قال : أخبرنا
يزيد ، قال : أخبرنا
الأصبغ بن زيد ، قال : ثنا
القاسم ، قال : ثنا
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، قال : خرج
موسى متوجها نحو
مدين ، وليس له علم بالطريق إلا حسن ظنه بربه ، فإنه قال : (
عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ) .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، قال : ذكر لي أنه خرج وهو يقول : (
رب نجني من القوم الظالمين ) فهيأ الله الطريق إلى
مدين ، فخرج من
[ ص: 550 ] مصر بلا زاد ولا حذاء ولا ظهر ولا درهم ولا رغيف ، خائفا يترقب ، حتى وقع إلى أمة من الناس يسقون
بمدين .
حدثنا
أبو عمار الحسين بن حريث المروزي ، قال : ثنا
الفضل بن موسى ، عن
الأعمش ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15342المنهال بن عمرو ، عن
سعيد بن جبير ، قال : خرج
موسى من
مصر إلى
مدين ، وبينها وبينها مسيرة ثمان ، قال : وكان يقال : نحو من
الكوفة إلى
البصرة ، ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر ، وخرج حافيا ، فما وصل إليها حتى وقع خف قدمه .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
عثام ، قال : ثنا
الأعمش ، عن
المنهال ، عن
سعيد ، عن
ابن عباس ، قال : لما خرج
موسى من
مصر إلى
مدين ، وبينه وبينها ثمان ليال ، كان يقال : نحو من
البصرة إلى
الكوفة ثم ذكر نحوه .
ومدين كان بها يومئذ قوم
شعيب عليه السلام .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
ولما توجه تلقاء مدين )
ومدين : ماء كان عليه قوم
شعيب (
قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ) .
وأما قوله : (
سواء السبيل ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله نحو قولنا فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : (
سواء السبيل ) قال : الطريق إلى
مدين .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
قال : ثنا
الحسين ، قال : ثنا
أبو سفيان ، عن
معمر ، عن
قتادة : (
قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ) قال : قصد السبيل .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
عباد بن راشد ، عن
الحسن : (
عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ) قال : الطريق المستقيم .