[ ص: 551 ] القول في
تأويل قوله تعالى : ( ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير ( 23 ) )
يقول تعالى ذكره : (
ولما ورد ) موسى (
ماء مدين وجد عليه أمة ) يعني : جماعة (
من الناس يسقون ) نعمهم ومواشيهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
موسى ، قال : ثنا
عمرو ، قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي (
وجد عليه أمة من الناس يسقون ) يقول : كثرة من الناس يسقون .
حدثنا
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
أمة من الناس ) قال : أناسا .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، قال : وقع إلى أمة من الناس يسقون
بمدين أهل نعم وشاء .
حدثنا
علي بن موسى وابن بشار ، قالا : ثنا
أبو داود ، قال : أخبرنا
عمران القطان ، قال : ثنا
أبو حمزة عن
ابن عباس ، في قوله : (
ولما ورد ماء مدين ) قال
علي بن موسى : قال : مثل ماء جوابكم هذا ، يعني المحدثة . وقال
ابن بشار : مثل محدثتكم هذه ، يعني جوابكم هذا .
وقوله : (
ووجد من دونهم امرأتين تذودان ) يقول : ووجد من دون أمة الناس الذين هم على الماء ، امرأتين تذودان ، يعني بقوله : (
تذودان ) تحبسان غنمهما ; يقال منه : ذاد فلان غنمه وماشيته : إذا أراد شيء من ذلك يشذ ويذهب ، فرده ومنعه يذودها ذودا .
وقال بعض أهل العربية من الكوفيين : لا يجوز أن يقال : ذدت الرجل بمعنى : حبسته ، إنما يقال ذلك للغنم والإبل .
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810873إني [ ص: 552 ] لبعقر حوضي أذود الناس عنه بعصاي " فقد جعل الذود صلى الله عليه وسلم في الناس ، ومن الذود قول
سويد بن كراع :
أبيت على باب القوافي كأنما أذود بها سربا من الوحش نزعا
وقول آخر :
وقد سلبت عصاك بنو تميم فما تدري بأي عصا تذود
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
تذودان ) يقول : تحبسان .
حدثني
العباس ، قال : أخبرنا
يزيد ، قال : أخبرنا
الأصبغ ، قال : ثنا
القاسم ، قال : ثني
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس (
ووجد من دونهم امرأتين تذودان ) يعني بذلك أنهما حابستان .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
سفيان ، عن
أبي الهيثم ، عن
سعيد بن جبير ، في قوله : (
امرأتين تذودان ) قال : حابستين .
حدثنا
موسى ، قال : ثنا
عمرو ، قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي (
ووجد من دونهم امرأتين تذودان ) يقول : تحبسان غنمهما .
واختلف أهل التأويل في الذي كانت عنه تذود هاتان المرأتان ، فقال بعضهم : كانتا تذودان غنمهما عن الماء ، حتى يصدر عنه مواشي الناس ، ثم يسقيان ماشيتهما لضعفهما .
[ ص: 553 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثنا
هشيم ، قال : أخبرنا
حصين ، عن
أبي مالك قوله : (
امرأتين تذودان ) قال : تحبسان غنمهما عن الناس حتى يفرغوا وتخلو لهما البئر .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق (
ووجد من دونهم امرأتين ) يعني دون القوم تذودان غنمهما عن الماء ، وهو ماء
مدين .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : تذودان الناس عن غنمهما .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان ) قال : أي حابستين شاءهما تذودان الناس عن شائهما .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثنا أبو
سفيان ، عن
معمر ، عن أصحابه (
تذودان ) قال : تذودان الناس عن غنمهما .
وأولى التأويلين في ذلك بالصواب قول من قال معناه : تحبسان غنمهما عن الناس حتى يفرغوا من سقي مواشيهم .
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لدلالة قوله : (
ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء ) على أن ذلك كذلك ، وذلك أنهما إنما شكتا أنهما لا تسقيان حتى يصدر الرعاء ، إذ سألهما
موسى عن ذودهما ، ولو كانتا تذودان عن غنمهما الناس ، كان لا شك أنهما كانتا تخبران عن سبب ذودهما عنها الناس ، لا عن سبب تأخر سقيهما إلى أن يصدر الرعاء .
وقوله : (
قال ما خطبكما ) يقول تعالى ذكره : قال
موسى للمرأتين ما شأنكما وأمركما تذودان ماشيتكما عن الناس ، هلا تسقونها مع مواشي الناس ،
والعرب تقول للرجل : ما خطبك ؟ بمعنى : ما أمرك وحالك ، كما قال الراجز :
يا عجبا ما خطبه وخطبي
[ ص: 554 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
العباس ، قال : ثنا
يزيد ، قال : أخبرنا
الأصبغ ، قال : أخبرنا
القاسم ، قال : ثني
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، قال : قال لهما : (
ما خطبكما ) معتزلتين لا تسقيان مع الناس .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، قال : وجد لهما رحمة ، ودخلته فيهما خشية ، لما رأى من ضعفهما ، وغلبة الناس على الماء دونهما ، فقال لهما : ما خطبكما : أي ما شأنكما .
وقوله : (
قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء ) يقول جل ثناؤه : قالت المرأتان
لموسى : لا نسقي ماشيتنا حتى يصدر الرعاء مواشيهم ، لأنا لا نطيق أن نسقي ، وإنما نسقي مواشينا ما أفضلت مواشي الرعاء في الحوض ، والرعاء : جمع راع ، والراعي جمعه رعاء ورعاة ورعيان .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
العباس ، قال : أخبرنا
يزيد ، قال : أخبرنا
الأصبغ ، قال : ثنا
القاسم ، قال : ثني
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، قال : لما قال
موسى للمرأتين : (
ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير ) : أي لا نستطيع أن نسقي حتى يسقي الناس ، ثم نتبع فضلاتهم .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قوله : (
حتى يصدر الرعاء ) قال : تنتظران تسقيان من فضول ما في الحياض حياض الرعاء .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن
ابن إسحاق (
قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء ) امرأتان لا نستطيع أن نزاحم الرجال (
وأبونا شيخ كبير ) لا يقدر أن يمس ذلك من نفسه ، ولا يسقي ماشيته ، فنحن ننتظر الناس حتى إذا فرغوا أسقينا ثم انصرفنا .
واختلفت القراء في قراءة قوله : (
حتى يصدر الرعاء ) فقرأ ذلك عامة قراء
الحجاز سوى
أبي جعفر القارئ ، وعامة قراء
العراق سوى
أبي عمرو : (
يصدر الرعاء ) بضم الياء ،
[ ص: 555 ] وقرأ ذلك
أبو جعفر وأبو عمرو بفتح الياء من يصدر الرعاء عن الحوض . وأما الآخرون فإنهم ضموا الياء ، بمعنى : أصدر الرعاء مواشيهم ، وهما عندي قراءتان متقاربتا المعنى ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
وقوله : (
وأبونا شيخ كبير ) يقولان : لا يستطيع من الكبر والضعف أن يسقي ماشيته .
وقوله : (
فسقى لهما ) ذكر أنه عليه السلام فتح لهما عن رأس بئر كان عليها حجر لا يطيق رفعه إلا جماعة من الناس ، ثم استسقى فسقى لهما ماشيتهما منه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قال : فتح لهما عن بئر حجرا على فيها ، فسقى لهما منها .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج بنحوه ، وزاد فيه : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : حجرا كان لا يطيقه إلا عشرة رهط .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثنا
أبو معاوية ، عن
الحجاج ، عن
الحكم ، عن
شريح ، قال : انتهى إلى حجر لا يرفعه إلا عشرة رجال ، فرفعه وحده .
حدثنا
موسى ، قال : ثنا
عمرو ، قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، قال : رحمهما
موسى حين (
قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير ) فأتى إلى البئر فاقتلع صخرة على البئر كان النفر من أهل
مدين يجتمعون عليها ، حتى يرفعوها ، فسقى لهما
موسى دلوا فأروتا غنمهما ، فرجعتا سريعا ، وكانتا إنما تسقيان من فضول الحياض .
حدثني
العباس ، قال : أخبرنا
يزيد ، قال : أخبرنا
الأصبغ ، قال : ثنا
القاسم ، قال : ثنا
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس (
فسقى لهما ) فجعل يغرف في الدلو ماء كثيرا حتى كانتا أول الرعاء ريا ، فانصرفتا إلى أبيهما بغنمهما .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، وقال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قال : تصدق عليهما نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فسقى لهما ، فلم يلبث أن أروى غنمهما .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، قال : أخذ دلوهما
موسى ، ثم تقدم إلى السقاء بفضل قوته ، فزاحم القوم على الماء حتى أخرهم عنه ، ثم سقى لهما .