القول في
تأويل قوله تعالى : ( قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل ( 28 ) )
يقول تعالى ذكره : ( قال )
موسى لأبي المرأتين (
ذلك بيني وبينك ) أي : هذا الذي قلت من أنك تزوجني إحدى ابنتيك على أن آجرك ثماني حجج ، واجب بيني وبينك ، على كل واحد منا الوفاء لصاحبه بما أوجب له على نفسه .
وقوله : (
أيما الأجلين قضيت ) يقول : أي الأجلين من الثماني الحجج والعشر الحجج قضيت ، يقول : فرغت منها فوفيتكها رعي غنمك وماشيتك (
فلا عدوان علي ) يقول : فليس لك أن تعتدي علي ، فتطالبني بأكثر منه ، و" ما " في قوله :
[ ص: 566 ] (
أيما الأجلين ) صلة يوصل بها أي على الدوام ، وزعم أهل العربية أن هذا أكثر في كلام
العرب من أي ، وأنشد قول الشاعر :
وأيهما ما أتبعن فإنني حريص على أثر الذي أنا تابع
وقال
عباس بن مرداس :
فأيي ما وأيك كان شرا فقيد إلى المقامة لا يراها
وقوله : (
والله على ما نقول وكيل ) كان
ابن إسحاق يرى هذا القول من أبي المرأتين .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، قال : قال
موسى (
ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي قال نعم والله على ما نقول وكيل ) فزوجه ، وأقام معه يكفيه ، ويعمل له في رعاية غنمه ، وما يحتاج إليه منه .
وزوجة
موسى صفورا أو أختها
شرفا أو
ليا :
حدثنا
موسى ، قال : ثنا
عمرو ، قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، قال : قال
ابن عباس ; الجارية التي دعته هي التي تزوج .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، قال له (
إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ) . . . إلى آخر الآية ، قال : وأيتهما تريد أن تنكحني ؟ قال : التي دعتك ، قال : ألا وهي بريئة مما دخل نفسك عليها ، فقال : هي عندك كذلك ، فزوجه .
[ ص: 567 ]
وبنحو الذي قلنا في قوله : (
أيما الأجلين قضيت ) قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
موسى ، قال : ثنا
عمرو ، قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت ) إما ثمانيا ، وإما عشرا .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : أخبرني
ابن لهيعة ، عن
عمارة بن غزية ، عن
يحيى بن سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد ، وسأله رجل قال (
أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي ) قال : فقال
القاسم : ما أبالي أي ذلك كان ، إنما هو موعد وقضاء .
وقوله : (
والله على ما نقول وكيل ) يقول : والله على ما أوجب كل واحد منا لصاحبه على نفسه بهذا القول ، شهيد وحفيظ .
كالذي حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد : (
والله على ما نقول وكيل ) قال : شهيد على قول
موسى وختنه .
وذكر أن
موسى وصاحبه لما تعاقدا بينهما هذا العقد ، أمر إحدى ابنتيه أن تعطي
موسى عصا من العصي التي تكون مع الرعاة ، فأعطته إياه ، فذكر بعضهم أنها العصا التي جعلها الله له آية .
وقال بعضهم تلك عصا أعطاه إياها
جبريل عليه السلام .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
موسى ، قال : ثنا
عمرو ، قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، قال : أمر - يعني أبا المرأتين - إحدى ابنتيه أن تأتيه ، يعني أن تأتي
موسى بعصا ، فأتته بعصا ، وكانت تلك العصا عصا استودعها إياه ملك في صورة رجل ، فدفعها إليه ، فدخلت الجارية ، فأخذت العصا ، فأتته بها ; فلما رآها الشيخ قال : لا ائتيه بغيرها ، فألقتها تريد أن تأخذ غيرها ، فلا يقع في يدها إلا هي ، وجعل يرددها ، وكل ذلك لا يخرج في يدها غيرها ; فلما رأى ذلك عمد إليها ، فأخرجها معه ، فرعى بها . ثم إن الشيخ ندم وقال : كانت وديعة ، فخرج يتلقى
موسى ، فلما لقيه قال : اعطني العصا ، فقال
موسى : هي عصاي ، فأبى أن يعطيه ، فاختصما ، فرضيا أن يجعلا بينهما أول رجل يلقاهما ، فأتاهما ملك يمشي ، فقال : ضعوها في الأرض ، فمن حملها فهي له ، فعالجها الشيخ فلم يطقها ، وأخذ
موسى بيده فرفعها ، فتركها له الشيخ ، فرعى له عشر سنين . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس : كان
موسى أحق بالوفاء .
[ ص: 568 ]
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد : قال - يعني أبا الجارية - لما زوجها
موسى لموسى : ادخل ذلك البيت فخذ عصا فتوكأ عليها ، فدخل فلما وقف على باب البيت ، طارت إليه تلك العصا ، فأخذها ، فقال : ارددها وخذ أخرى مكانها ، قال : فردها ، ثم ذهب ليأخذ أخرى ، فطارت إليه كما هي ، فقال : لا ارددها ، فعل ذلك ثلاثا ، فقال : ارددها ، فقال : لا أجد غيرها اليوم ، فالتفت إلى ابنته ، فقال لابنته : إن زوجك لنبي .
ذكر من قال : التي كانت آية عصا أعطاها
موسى جبرائيل عليه السلام :
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
أبي بكر ، قال : سألت
عكرمة قال : أما عصا
موسى ، فإنها خرج بها
آدم من الجنة ، ثم قبضها بعد ذلك
جبرائيل عليه السلام ، فلقي
موسى بها ليلا فدفعها إليه .