القول في تأويل قوله تعالى : (
واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون ( 39 )
فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ( 40 ) )
[ ص: 582 ]
يقول تعالى ذكره : ( واستكبر )
فرعون ( وجنوده ) في أرض
مصر عن تصديق
موسى واتباعه على ما دعاهم إليه من توحيد الله ، والإقرار بالعبودية له بغير الحق ، يعني تعديا وعتوا على ربهم (
وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون ) يقول : وحسبوا أنهم بعد مماتهم لا يبعثون ، ولا ثواب ، ولا عقاب ، فركبوا أهواءهم ، ولم يعلموا أن الله لهم بالمرصاد ، وأنه لهم مجاز على أعمالهم الخبيثة .
وقوله : (
فأخذناه وجنوده ) يقول تعالى ذكره : فجمعنا
فرعون وجنوده من
القبط (
فنبذناهم في اليم ) يقول : فألقيناهم جميعهم في البحر فغرقناهم فيه ، كما قال
أبو الأسود الدؤلي :
نظرت إلى عنوانه فنبذته كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا
وذكر أن ذلك بحر من وراء
مصر ، كما حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة : (
فنبذناهم في اليم ) قال : كان اليم بحرا يقال له إساف من وراء
مصر غرقهم الله فيه .
وقوله : (
فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ) يقول تعالى ذكره : فانظر يا
محمد بعين قلبك : كيف كان أمر هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم فكفروا بربهم ، وردوا على رسوله نصيحته ، ألم نهلكهم فنورث ديارهم وأموالهم أولياءنا ، ونخولهم ما كان لهم من جنات وعيون ، وكنوز ومقام كريم ، بعد أن كانوا مستضعفين ، تقتل أبناؤهم ، وتستحيا نساؤهم ، فإنا كذلك بك وبمن آمن بك وصدقك فاعلون ، مخولوك وإياهم ديار من كذبك ، ورد عليك ما أتيتهم به من الحق وأموالهم ، ومهلكوهم قتلا بالسيف ، سنة الله في الذين خلوا من قبل .