القول في
تأويل قوله تعالى : ( فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون ( 48 ) )
يقول تعالى ذكره : فلما جاء هؤلاء الذين لم يأتهم من قبلك يا
محمد نذير فبعثناك إليهم نذيرا (
الحق من عندنا ) ، وهو
محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة من الله إليهم ، قالوا تمردا على الله ، وتماديا في الغي : هلا أوتي هذا الذي أرسل إلينا ، وهو
محمد صلى الله عليه وسلم مثل ما أوتي
موسى بن عمران من الكتاب ؟ يقول الله تبارك وتعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا
محمد لقومك من
قريش ، القائلين لك (
لولا أوتي مثل ما أوتي موسى ) أولم يكفر الذين علموا هذه الحجة من
اليهود بما أوتي
موسى من قبلك .
[ ص: 588 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قال : يهود تأمر
قريشا أن تسأل
محمدا مثل ما أوتي
موسى ، يقول الله
لمحمد صلى الله عليه وسلم : قل
لقريش يقولوا لهم : أولم يكفروا بما أوتي
موسى من قبل .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد : ( قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى ) قال :
اليهود تأمر
قريشا ، ثم ذكر نحوه " قالوا ساحران تظاهرا " .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة
والبصرة : " وقالوا ساحران تظاهرا " بمعنى : أولم يكفروا بما أوتي
موسى من قبل ، وقالوا له
ولمحمد صلى الله عليه وسلم في قول بعض المفسرين ، وفي قول بعضهم
لموسى وهارون عليهما السلام ، وفي قول بعضهم :
لعيسى ومحمد ساحران تعاونا . وقرأ عامة قراء
الكوفة : (
قالوا سحران تظاهرا ) بمعنى : وقالوا للتوراة والفرقان في قول بعض أهل التأويل ، وفي قول بعضهم للإنجيل والفرقان .
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك على قدر اختلاف القراء في قراءته .
ذكر من قال : عني بالساحرين اللذين تظاهرا
محمد وموسى صلى الله عليهما :
حدثنا
سليمان بن محمد بن معدي كرب الرعيني ، قال : ثنا
بقية بن الوليد ، قال : ثنا
شعبة ، عن
أبي حمزة قال : سمعت
مسلم بن يسار ، يحدث عن
ابن عباس ، في قول الله "
ساحران تظاهرا " قال :
موسى ومحمد .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى ، قال . ثنا
محمد بن جعفر ، قال : ثنا
شعبة ، عن
أبي حمزة ، قال : سمعت
مسلم بن يسار ، قال : سألت
ابن عباس ، عن هذه الآية "
ساحران تظاهرا " قال :
موسى ومحمد .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال . ثنا
يحيى بن سعيد ، عن
شعبة ، عن
أبي حمزة ، عن
مسلم بن يسار ، أن
ابن عباس ، قرأ " ساحران " قال
موسى ومحمد عليهما السلام .
حدثنا
ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن
شعبة ، عن
كيسان أبي حمزة ، عن
مسلم [ ص: 589 ] بن يسار ، عن
ابن عباس ، مثله .
ومن قال :
موسى وهارون عليهما السلام :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قول الله "
ساحران تظاهرا " قال يهود :
لموسى وهارون .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد (
قالوا سحران تظاهرا )
قول يهود لموسى وهارون عليهما السلام .
حدثني
يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا
هشيم ، قال : أخبرنا
إسماعيل بن أبي خالد ، عن
سعيد بن جبير وأبي رزين أن أحدهما قرأ : "
ساحران تظاهرا " ، والآخر : " سحران " . قال : الذي قرأ " سحران " قال : التوراة والإنجيل . وقال : الذي قرأ : " ساحران " قال :
موسى وهارون .
وقال آخرون : عنوا بالساحرين
عيسى ومحمدا صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين . قال : ثنا أبو
سفيان ، عن
معمر ، عن
الحسن ، قوله : " ساحران تظاهرا " قال
عيسى ومحمد ، أو قال
موسى صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال : عنوا بذلك التوراة والفرقان ، ووجه تأويله إلى قراءة من قرأ " سحران تظاهرا " :
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال ثنى
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : "
سحران تظاهرا " يقول : التوراة والقرآن .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
قالوا سحران تظاهرا ) يعني : التوراة والفرقان .
حدثني
يونس ، قال أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
قالوا سحران تظاهرا ) قال : كتاب
موسى ، وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال : عنوا به التوراة والإنجيل :
حدثنا
ابن وكيع ، قال ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
حميد الأعرج ، عن
مجاهد ، قال : كنت إلى جنب
ابن عباس وهو يتعوذ بين الركن والمقام ، فقلت كيف تقرأ " سحران " ،
[ ص: 590 ] أو " ساحران " ؟ فلم يرد علي شيئا ، فقال
عكرمة : ساحران ، وظننت أنه لو كره ذلك أنكره علي . قال حميد فلقيت
عكرمة بعد ذلك فذكرت ذلك له ، وقلت كيف كان يقرؤها ؟ قال : كان يقرأ " سحران تظاهرا " أي : التوراة والإنجيل .
ذكر من قال : عنوا به الفرقان والإنجيل :
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح ، قال : ثنا
عبيد ، عن
الضحاك ، أنه قرأ (
سحران تظاهرا ) يعنون الإنجيل والفرقان .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
قالوا سحران تظاهرا ) قالت ذلك أعداء الله
اليهود للإنجيل والفرقان ، فمن قال " ساحران " فيقول :
محمد ،
وعيسى ابن مريم .
قال
أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب ، قراءة من قرأه (
قالوا سحران تظاهرا ) بمعنى : كتاب
موسى وهو التوراة ، وكتاب
عيسى وهو الإنجيل .
وإنما قلنا : ذلك أولى القراءتين بالصواب ، لأن الكلام من قبله جرى بذكر الكتاب ، وهو قوله : (
قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى ) والذي يليه من بعده ذكر الكتاب ، وهو قوله : (
فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه ) فالذي بينهما بأن يكون من ذكره أولى وأشبه بأن يكون من ذكر غيره . وإذ كان ذلك هو الأولى بالقراءة ، فمعلوم أن معنى الكلام : قل يا
محمد ، أولم يكفر هؤلاء
اليهود بما أوتي
موسى من قبل ؟ وقالوا لما أوتي
موسى من الكتاب وما أوتيته أنت : سحران تعاونا ؟
وقوله : (
وقالوا إنا بكل كافرون ) يقول تعالى ذكره : وقالت
اليهود : إنا بكل كتاب في الأرض من توراة وإنجيل ، وزبور وفرقان كافرون .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل ، وخالفه فيه مخالفون .
ذكر من قال مثل الذي قلنا في ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
إنا بكل كافرون ) قالوا : نكفر أيضا بما أوتي
محمد .
[ ص: 591 ]
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد : (
وقالوا إنا بكل كافرون ) قال
اليهود أيضا : نكفر بما أوتي
محمد أيضا .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وقالوا إنا بكل الكتابين الفرقان والإنجيل كافرون .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح ، قال : ثنا
عبيد ، عن
الضحاك (
وقالوا إنا بكل كافرون ) يقول : بالإنجيل والقرآن .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
وقالوا إنا بكل كافرون ) يعنون الإنجيل والفرقان .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
وقالوا إنا بكل كافرون ) قال : هم أهل الكتاب ، يقول : بالكتابين : التوراة والفرقان .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله :
[ ص: 592 ] (
وقالوا إنا بكل كافرون ) الذي جاء به موسى ، والذي جاء به
محمد صلى الله عليه وسلم .