[ ص: 593 ] القول في تأويل قوله تعالى : (
ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون ( 51 )
الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ( 52 ) )
يقول تعالى ذكره : ولقد وصلنا يا
محمد ، لقومك من
قريش ولليهود من
بني إسرائيل القول بأخبار الماضين والنبأ عما أحللنا بهم من بأسنا ، إذ كذبوا رسلنا ، وعما نحن فاعلون بمن اقتفى آثارهم ، واحتذى في الكفر بالله ، وتكذيب رسله مثالهم ، ليتذكروا فيعتبروا ويتعظوا . وأصله من : وصل الحبال بعضها ببعض ; ومنه قول الشاعر :
فقل لبني مروان ما بال ذمة وحبل ضعيف ما يزال يوصل
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وإن اختلفت ألفاظهم ببيانهم عن تأويله ، فقال بعضهم : معناه : بينا . وقال بعضهم : معناه : فصلنا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن أبيه ، عن
ليث ، عن
مجاهد ، قوله : (
ولقد وصلنا لهم القول ) قال : فصلنا لهم القول .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
ولقد وصلنا لهم القول ) قال : وصل الله لهم القول في هذا القرآن ، يخبرهم كيف صنع بمن مضى ، وكيف هو صانع (
لعلهم يتذكرون ) .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
محمد بن عيسى أبو جعفر ، عن
سفيان بن عيينة : وصلنا : بينا .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
ولقد وصلنا لهم ) الخبر ، خبر الدنيا بخبر الآخرة ، حتى كأنهم عاينوا الآخرة ، وشهدوها في الدنيا ، بما نريهم من الآيات في الدنيا وأشباهها . وقرأ : (
إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ) وقال : إنا سوف ننجزهم ما وعدناهم في الآخرة كما أنجزنا للأنبياء ما وعدناهم نقضي بينهم وبين قومهم .
[ ص: 594 ]
واختلف أهل التأويل ، فيمن عنى بالهاء والميم من قوله : (
ولقد وصلنا لهم ) فقال بعضهم : عنى بهما
قريشا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
ولقد وصلنا لهم القول ) قال :
قريش .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد (
ولقد وصلنا لهم القول ) قال :
لقريش .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون ) قال : يعني
محمدا صلى الله عليه وسلم .
وقال آخرون : عنى بهما
اليهود .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
بشر بن آدم ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16577عفان بن مسلم ، قال : ثنا
حماد بن سلمة ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، عن
يحيى بن جعدة ، عن
رفاعة القرظي ، قال : نزلت هذه الآية في عشرة أنا أحدهم (
ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون ) .
حدثنا
ابن سنان ، قال : ثنا
حيان ، قال : ثنا
حماد ، عن
عمرو ، عن
يحيى بن جعدة ، عن
عطية القرظي قال : نزلت هذه الآية (
ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون ) حتى بلغ : (
إنا كنا من قبله مسلمين ) في عشرة أنا أحدهم ، فكأن
ابن عباس أراد بقوله : يعني
محمدا ، لعلهم يتذكرون عهد الله في
محمد إليهم ، فيقرون بنبوته ويصدقونه .
وقوله : (
الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ) يعني بذلك تعالى ذكره قوما من
أهل الكتاب آمنوا برسوله وصدقوه ، فقال الذين آتيناهم الكتاب من قبل هذا القرآن ، هم بهذا القرآن يؤمنون . فيقرون أنه حق من عند الله ، ويكذب جهلة الأميين ، الذين لم يأتهم من الله كتاب .
[ ص: 595 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثنى أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثنى أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : تعالى : (
الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ) قال : يعني من آمن
بمحمد صلى الله عليه وسلم من
أهل الكتاب .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به ) . . . إلى قوله : (
لا نبتغي الجاهلين ) في مسلمة
أهل الكتاب .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، قوله : (
الذين آتيناهم الكتاب من قبله ) . . . إلى قوله : ( الجاهلين ) قال : هم مسلمة
أهل الكتاب .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار : أن
يحيى بن جعدة أخبره ، عن
علي بن رفاعة ، قال : خرج عشرة رهط من أهل الكتاب ، منهم
أبو رفاعة ، يعني أباه ، إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فآمنوا ، فأوذوا ، فنزلت : (
الذين آتيناهم الكتاب من قبله ) قبل القرآن .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ) قال : كنا نحدث أنها نزلت في أناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة من الحق ، يأخذون بها ، وينتهون إليها ، حتى بعث الله
محمدا صلى الله عليه وسلم ، فآمنوا به ، وصدقوا به ، فأعطاهم الله أجرهم مرتين ، بصبرهم على الكتاب الأول ، واتباعهم
محمدا صلى الله عليه وسلم ، وصبرهم على ذلك ، وذكر أن منهم
سلمان ،
nindex.php?page=showalam&ids=106وعبد الله بن سلام .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول ، في قوله : (
الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ) . . . إلى قوله : ( من قبله مسلمين ) ناس من أهل الكتاب آمنوا بالتوراة والإنجيل ، ثم أدركوا
محمدا صلى الله عليه وسلم ، فآمنوا به . فآتاهم الله أجرهم مرتين بما صبروا : بإيمانهم
بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث ، وباتباعهم إياه حين بعث ، فذلك قوله : (
إنا كنا من قبله مسلمين ) .