القول في
تأويل قوله تعالى : ( أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون ( 54 ) )
يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين وصفت صفتهم ( يؤتون ) ثواب عملهم (
مرتين بما صبروا ) .
واختلف أهل التأويل في معنى الصبر الذي وعد الله ما وعد عليه ، فقال بعضهم :
وعدهم ما وعد جل ثناؤه بصبرهم على الكتاب الأول ، واتباعهم
محمدا صلى الله عليه وسلم ، وصبرهم على ذلك . وذلك قول
قتادة ، وقد ذكرناه قبل .
وقال آخرون : بل وعدهم بصبرهم بإيمانهم
بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث ، وباتباعهم إياه حين بعث ، وذلك قول
الضحاك بن مزاحم ، وقد ذكرناه أيضا قبل ، وممن وافق
قتادة على قوله :
عبد الرحمن بن زيد .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب . قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
إنا كنا من قبله مسلمين ) على دين
عيسى ، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أسلموا ، فكان لهم أجرهم مرتين بما صبروا أول مرة ، ودخلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الإسلام .
وقال قوم في ذلك بما حدثنا به
ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد ، قال : إن قوما كانوا مشركين أسلموا ، فكان قومهم يؤذونهم ، فنزلت : (
أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ) وقوله : (
ويدرءون بالحسنة السيئة ) يقول : ويدفعون بحسنات أفعالهم التي يفعلونها سيئاتهم ( ومما رزقناهم ) من الأموال ( ينفقون )
[ ص: 597 ] في طاعة الله ، إما في جهاد في سبيل الله ، وإما في صدقة على محتاج ، أو في صلة رحم .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين ) قال الله (
أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ) وأحسن الله عليهم الثناء كما تسمعون ، فقال : (
ويدرءون بالحسنة السيئة ) .