القول في تأويل قوله تعالى : ( إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون ( 17 ) )
يقول - تعالى ذكره - مخبرا عن قيل خليله
إبراهيم لقومه : إنما تعبدون - أيها القوم - من دون الله أوثانا ، يعني مثلا .
كما حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
إنما تعبدون من دون الله أوثانا ) أصناما .
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : (
وتخلقون إفكا ) فقال بعضهم : معناه :
[ ص: 19 ] وتصنعون كذبا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس في قوله : (
وتخلقون إفكا ) يقول : تصنعون كذبا .
وقال آخرون : وتقولون كذبا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
وتخلقون إفكا ) يقول : وتقولون إفكا .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
وتخلقون إفكا ) يقول : تقولون كذبا .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وتنحتون إفكا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
القاسم قال : ثنا
الحسين قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني ، عن
ابن عباس قوله : (
وتخلقون إفكا ) قال : تنحتون تصورون إفكا .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وتخلقون إفكا ) أي : تصنعون أصناما .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
وتخلقون إفكا ) : الأوثان التي ينحتونها بأيديهم .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : وتصنعون كذبا . وقد بينا معنى الخلق فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . فتأويل الكلام إذن : إنما تعبدون من دون الله أوثانا ، وتصنعون كذبا وباطلا . وإنما في قوله : ( إفكا ) مردود على إنما ، كقول القائل : إنما تفعلون كذا ، وإنما تفعلون كذا . وقرأ جميع قراء الأمصار : (
وتخلقون إفكا ) بتخفيف الخاء من قوله : ( وتخلقون ) وضم اللام من الخلق . وذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=12067أبي عبد الرحمن السلمي أنه قرأ : " وتخلقون إفكا " بفتح الخاء وتشديد اللام من التخليق .
[ ص: 20 ]
والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قراء الأمصار ؛ لإجماع الحجة من القراء عليه .
وقوله : (
إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا ) يقول - جل ثناؤه - : إن أوثانكم التي تعبدونها ، لا تقدر أن ترزقكم شيئا (
فابتغوا عند الله الرزق ) يقول : فالتمسوا عند الله الرزق لا من عند أوثانكم ، تدركوا ما تبتغون من ذلك ( واعبدوه ) يقول : وذلوا له ( واشكروا له ) على رزقه إياكم ، ونعمه التي أنعمها عليكم ، يقال : " شكرته " ، " وشكرت له " أفصح من " شكرته " . وقوله : ( إليه ترجعون ) يقول : إلى الله تردون من بعد مماتكم ، فيسألكم عما أنتم عليه من عبادتكم غيره ، وأنتم عباده وخلقه ، وفي نعمه تتقلبون ، ورزقه تأكلون .