[ ص: 61 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون ( 66 )
أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون ( 67 ) )
يقول - تعالى ذكره - : فلما نجى الله هؤلاء المشركين مما كانوا فيه في البحر ، من الخوف والحذر من الغرق إلى البر ، إذا هم بعد أن صاروا إلى البر يشركون بالله الآلهة والأنداد . (
ليكفروا بما آتيناهم ) يقول : ليجحدوا نعمة الله التي أنعمها عليهم في أنفسهم وأموالهم .
( وليتمتعوا ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء
المدينة والبصرة : ( وليتمتعوا ) بكسر اللام ، بمعنى : وكي يتمتعوا آتيناهم ذلك . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين : ( وليتمتعوا ) بسكون اللام على وجه الوعيد والتوبيخ : أي اكفروا فإنكم سوف تعلمون ماذا يلقون من عذاب الله بكفرهم به .
وأولى القراءتين عندي في ذلك بالصواب ، قراءة من قرأه بسكون اللام ، على وجه التهديد والوعيد ، وذلك أن الذين قرءوه بكسر اللام ، زعموا أنهم إنما اختاروا كسرها عطفا بها على اللام التي في قوله : ( ليكفروا ) ، وأن قوله : ( ليكفروا ) لما كان معناه : كي يكفروا ، كان الصواب في قوله : ( وليتمتعوا ) أن يكون : وكي يتمتعوا ، إذ كان عطفا على قوله : ( ليكفروا ) عندهم ، وليس الذي ذهبوا من ذلك بمذهب ؛ وذلك لأن لام قوله : ( ليكفروا ) صلحت أن تكون بمعنى كي ؛ لأنها شرط ، لقوله : إذا هم يشركون بالله كي يكفروا بما آتيناهم من النعم ، وليس ذلك كذلك في قوله : ( وليتمتعوا ) لأن إشراكهم بالله كان كفرا بنعمته ، وليس إشراكهم به تمتعا بالدنيا ، وإن كان الإشراك به يسهل لهم سبيل التمتع بها ، فإذ كان ذلك كذلك فتوجيهه إلى معنى الوعيد أولى وأحق من توجيهه إلى معنى : وكي يتمتعوا ، وبعد فقد ذكر أن ذلك في قراءة أبي ( وتمتعوا ) وذلك دليل على صحة من قرأه بسكون اللام بمعنى الوعيد .
وقوله : (
أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ) يقول - تعالى ذكره - ، مذكرا هؤلاء المشركين من
قريش ، القائلين : لولا أنزل عليه آية من ربه ، نعمته عليهم التي خصهم بها دون سائر الناس غيرهم ، مع كفرهم بنعمته وإشراكهم في عبادته الآلهة والأنداد : أولم ير هؤلاء المشركون من قريش ما خصصناهم به من نعمتنا عليهم ، دون سائر
[ ص: 62 ] عبادنا ، فيشكرونا على ذلك ، وينزجروا عن كفرهم بنا ، وإشراكهم ما لا ينفعنا ، ولا يضرهم في عبادتنا أنا جعلنا بلدهم حرما ، حرمنا على الناس أن يدخلوه بغارة أو حرب ، آمنا يأمن فيه من سكنه ، فأوى إليه من السباء ، والخوف ، والحرام الذي لا يأمنه غيرهم من الناس ، (
ويتخطف الناس من حولهم ) يقول : وتسلب الناس من حولهم قتلا وسباء .
كما حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، في قوله : (
أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ) قال : كان لهم في ذلك آية ، أن الناس يغزون ويتخطفون وهم آمنون .
وقوله : (
أفبالباطل يؤمنون ) يقول : أفبالشرك بالله يقرون بألوهة الأوثان بأن يصدقوا ، وبنعمة الله التي خصهم بها من أن جعل بلدهم حرما آمنا يكفرون ، يعني بقوله : ( يكفرون ) : يجحدون .
كما حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
أفبالباطل يؤمنون ) : أي بالشرك (
وبنعمة الله يكفرون ) : أي يجحدون .