[ ص: 64 ] [ ص: 65 ] [ ص: 66 ] [ ص: 67 ] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى : (
الم ( 1 )
غلبت الروم ( 2 )
في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ( 3 )
في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون ( 4 )
بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ( 5 ) )
قال
أبو جعفر : قد بينا فيما مضى قبل معنى قوله : ( الم ) وذكرنا ما فيه من أقوال أهل التأويل ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .
وقوله : (
غلبت الروم في أدنى الأرض ) اختلفت القراء في قراءته ، فقرأته عامة قراء الأمصار (
غلبت الروم ) بضم الغين ، بمعنى أن
فارس غلبت
الروم .
وروي عن
ابن عمر وأبي سعيد في ذلك ما حدثنا
ابن وكيع قال : ثني أبي ، عن
الحسن الجفري ، عن
سليط قال : سمعت
ابن عمر يقرأ (
الم غلبت الروم ) فقيل له : يا
أبا عبد الرحمن ، على أي شيء غلبوا ؟ قال : على ريف
الشام .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا الذي لا يجوز غيره (
الم غلبت الروم ) بضم الغين ؛ لإجماع الحجة من القراء عليه . فإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام : غلبت
فارس الروم (
في أدنى الأرض ) من أرض
الشام إلى
أرض فارس (
وهم من بعد غلبهم ) يقول :
والروم من بعد غلبة
فارس إياهم ( سيغلبون )
فارس (
في بضع سنين لله الأمر من قبل ) غلبتهم
فارس ( ومن بعد ) غلبتهم إياها ، يقضي في خلقه ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، ويظهر من شاء منهم على من أحب إظهاره عليه (
ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ) يقول : ويوم يغلب
الروم فارس يفرح المؤمنون بالله ورسوله بنصر الله إياهم على المشركين ، ونصرة
الروم على
فارس ( ينصر ) الله - تعالى ذكره - ( من يشاء ) من خلقه ، على من يشاء ، وهو نصرة المؤمنين على المشركين
ببدر ، ( وهو العزيز ) يقول : والله الشديد في انتقامه من أعدائه ، لا يمنعه من ذلك مانع ، ولا يحول بينه وبينه حائل ،
[ ص: 68 ] ( الرحيم ) بمن تاب من خلقه وراجع طاعته أن يعذبه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : ثنا
محمد بن سعيد - أو ،
سعيد الثعلبي ، الذي يقال له أبو سعد من أهل طرسوس - قال : ثنا
أبو إسحاق الفزاري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان بن سعيد الثوري ، عن
حبيب بن أبي عمرة ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال : كان المسلمون يحبون أن تغلب
الروم أهل الكتاب ، وكان المشركون يحبون أن يغلب
أهل فارس ؛ لأنهم أهل أوثان ، قال : فذكروا ذلك
لأبي بكر ، فذكره
أبو بكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " أما إنهم سيهزمون " ، قال : فذكر ذلك
أبو بكر للمشركين ، قال : فقالوا : أفنجعل بيننا وبينكم أجلا فإن غلبوا كان لك كذا وكذا ، وإن غلبنا كان لنا كذا وكذا ، وقال : فجعلوا بينهم وبينه أجلا خمس سنين ، قال : فمضت فلم يغلبوا ، قال : فذكر ذلك
أبو بكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له : " أفلا جعلته دون العشر " ، قال
سعيد : والبضع ما دون العشر ، قال : فغلب
الروم ، ثم غلبت ، قال : فذلك قوله : (
الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ) قال : البضع : ما دون العشر ، (
لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ) قال
سفيان : فبلغني أنهم غلبوا يوم
بدر .
حدثني
زكريا بن يحيى بن أبان المصري قال : ثنا
موسى بن هارون البردي قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17126معن بن عيسى قال : ثنا
عبد الله بن عبد الرحمن ، عن
ابن شهاب ، عن
عبيد الله ، عن
ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=812456لما نزلت ( الم غلبت الروم في أدنى الأرض ) الآية ، ناحب أبو بكر قريشا ، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له : إني قد ناحبتهم ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " هلا احتطت ، فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع " . قال الجمحي : المناحبة : المراهنة ، وذلك قبل أن يكون تحريم ذلك .
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
الم غلبت الروم ) إلى قوله : (
ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ) قال : قد مضى ، كان ذلك في
أهل فارس والروم ، وكانت
فارس قد غلبتهم ، ثم غلبت
الروم بعد ذلك ، ولقي نبي الله - صلى الله عليه وسلم - مشركي العرب ، يوم التقت
[ ص: 69 ] الروم وفارس ، فنصر الله النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من المسلمين على مشركي العرب ، ونصر أهل الكتاب على مشركي العجم ، ففرح المؤمنون بنصر الله إياهم ، ونصر أهل الكتاب على العجم . قال
عطية : فسألت
nindex.php?page=showalam&ids=44أبا سعيد الخدري عن ذلك ، فقال : التقينا مع
محمد رسول - صلى الله عليه وسلم - ومشركي العرب ، والتقت
الروم وفارس ، فنصرنا الله على مشركي العرب ، ونصر الله أهل الكتاب على
المجوس ، ففرحنا بنصر الله إيانا على المشركين ، وفرحنا بنصر الله أهل الكتاب على
المجوس ، فذلك قوله : (
ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ) .
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس في قوله : (
الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ) غلبتهم
فارس ، ثم غلبت
الروم .
حدثني
أبو السائب قال : ثنا
أبو معاوية ، عن
الأعمش ، عن
مسلم ، عن
مسروق قال : قال
عبد الله خمس قد مضين : الدخان ، واللزام ، والبطشة ، والقمر ،
والروم .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : ثنا
عبد الأعلى قال : ثنا
داود ، عن
عامر ، عن
ابن مسعود قال : قد مضى (
الم غلبت الروم ) .
حدثنا
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد (
الم غلبت الروم ) إلى قوله : (
أكثر الناس لا يعلمون ) قال : ذكر غلبة
فارس إياهم ، وإدالة
الروم على
فارس ، وفرح المؤمنين بنصر
الروم أهل الكتاب على
فارس من أهل الأوثان .
حدثنا
القاسم قال : ثنا
الحسين قال : ثني
حجاج ، عن
أبي بكر بن عبد الله ، عن
عكرمة ، أن الروم وفارس اقتتلوا في أدنى الأرض ، قالوا : وأدنى الأرض يومئذ أذرعات ، بها التقوا ، فهزمت الروم ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وهم بمكة ، فشق ذلك عليهم ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكره أن يظهر الأميون من المجوس على أهل الكتاب من الروم ، ففرح الكفار بمكة وشمتوا ، فلقوا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقالوا : إنكم أهل الكتاب ، والنصارى أهل كتاب ، ونحن أميون ، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب ، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن [ ص: 70 ] عليكم ، فأنزل الله ( الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ) الآيات ، فخرج أبو بكر الصديق إلى الكفار ، فقال : أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا ؟ فلا تفرحوا ، ولا يقرن الله أعينكم ، فوالله ليظهرن الروم على فارس ، أخبرنا بذلك نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، فقام إليه أبي بن خلف ، فقال : كذبت يا أبا فضيل ، فقال له أبو بكر رضي الله عنه : أنت أكذب يا عدو الله ، فقال : أناحبك عشر قلائص مني ، وعشر قلائص منك ، فإن ظهرت الروم على فارس غرمت ، وإن ظهرت فارس على الروم غرمت إلى ثلاث سنين ، ثم جاء أبو بكر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، فقال : " ما هكذا ذكرت ، إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع ، فزايده في الخطر ، وماده في الأجل " . فخرج أبو بكر فلقي أبيا ، فقال : لعلك ندمت ، فقال : لا فقال : أزايدك في الخطر ، وأمادك في الأجل ، فاجعلها مئة قلوص لمئة قلوص إلى تسع سنين ، قال : قد فعلت .
حدثنا
القاسم قال : ثنا
الحسين قال : ثني
حجاج ، عن
أبي بكر ، عن
عكرمة قال : كانت في
فارس امرأة لا تلد إلا الملوك الأبطال ، فدعاها
كسرى ، فقال : إني أريد أن أبعث إلى
الروم جيشا وأستعمل عليهم رجلا من بنيك ، فأشيري علي أيهم أستعمل ، فقالت : هذا فلان ، وهو أروغ من ثعلب ، وأحذر من صرد ، وهذا
فرخان ، وهو أنفذ من سنان ، وهذا
شهربراز ، وهو أحلم من كذا ، فاستعمل أيهم شئت ، قال : إني قد استعملت الحليم ، فاستعمل
شهربراز ، فسار إلى
الروم بأهل
فارس ، وظهر عليهم ، فقتلهم ، وخرب مدائنهم ، وقطع زيتونهم . قال
أبو بكر : فحدثت بهذا الحديث
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني فقال : أما رأيت بلاد
الشام ؟ قلت : لا قال : أما إنك لو رأيتها لرأيت المدائن التي خربت ، والزيتون الذي قطع ، فأتيت
الشام بعد ذلك فرأيته .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني : ثني
nindex.php?page=showalam&ids=17344يحيى بن يعمر ، أن
قيصر بعث رجلا يدعى
قطمة بجيش من
الروم ، وبعث
كسرى شهربراز ، فالتقيا
بأذرعات وبصرى ، وهي أدنى
الشام إليكم ، فلقيت
فارس الروم ، فغلبتهم
فارس ، ففرح بذلك كفار
قريش ، وكرهه المسلمون ، فأنزل الله (
الم غلبت الروم في أدنى الأرض ) الآيات ، ثم ذكر مثل حديث
عكرمة ، وزاد : فلم يزل
شهربراز يطؤهم ، ويخرب مدائنهم حتى بلغ الخليج ، ثم مات
[ ص: 71 ] كسرى ، فبلغهم موته ، فانهزم
شهربراز وأصحابه ، وأوعبت عليهم
الروم عند ذلك ، فأتبعوهم يقتلونهم قال : وقال
عكرمة في حديثه : لما ظهرت
فارس على
الروم جلس
فرخان يشرب ، فقال لأصحابه : لقد رأيت كأني جالس على سرير
كسرى ، فبلغت
كسرى ، فكتب إلى
شهربراز : إذا أتاك كتابي فابعث إلي برأس
فرخان . فكتب إليه : أيها الملك ، إنك لن تجد مثل
فرخان ، إن له نكاية وضربا في العدو ، فلا تفعل . فكتب إليه : إن في رجال
فارس خلفا منه ، فعجل إلي برأسه ، فراجعه ، فغضب
كسرى ، فلم يجبه ، وبعث بريدا إلى
أهل فارس ، إني قد نزعت عنكم
شهربراز ، واستعملت عليكم
فرخان ، ثم دفع إلى البريد صحيفة صغيرة : إذا ولي
فرخان الملك ، وانقاد له أخوه ، فأعطه هذه ؛ فلما قرأ
شهربراز الكتاب قال : سمعا وطاعة ، ونزل عن سريره وجلس
فرخان ، ودفع الصحيفة إليه ، قال : ائتوني
بشهربراز ، فقدمه ليضرب عنقه ، قال : لا تعجل حتى أكتب وصيتي ، قال : نعم ، فدعا بالسفط ، فأعطاه ثلاث صحائف ، وقال : كل هذا راجعت فيك
كسرى ، وأنت أردت أن تقتلني بكتاب واحد ، فرد الملك ، وكتب
شهربراز إلى
قيصر ملك الروم : إن لي إليك حاجة لا يحملها البريد ، ولا تبلغها الصحف ، فالقني ، ولا تلقني إلا في خمسين روميا ، فإني ألقاك في خمسين فارسيا ، فأقبل
قيصر في خمسمائة ألف رومي ، وجعل يضع العيون بين يديه في الطريق ، وخاف أن يكون قد مكر به ، حتى أتته عيونه أن ليس معه إلا خمسون رجلا ثم بسط لهما والتقيا في قبة ديباج ضربت لهما ، مع كل واحد منهما سكين ، فدعيا ترجمانا بينهما ، فقال
شهربراز : إن الذين خربوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا ، وإن
كسرى حسدنا ، فأراد أن أقتل أخي ، فأبيت ، ثم أمر أخي أن يقتلني ، فقد خلعناه جميعا ، فنحن نقاتله معك . فقال : قد أصبتما ، ثم أشار أحدهما إلى صاحبه أن السر بين اثنين ، فإذا جاوز اثنين فشا . قال : أجل ، فقتلا الترجمان جميعا بسكينيهما ، فأهلك الله
كسرى ، وجاء الخبر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم
الحديبية ، ففرح ومن معه .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، nindex.php?page=hadith&LINKID=811711عن قتادة ( الم غلبت الروم ) قال : غلبتهم فارس على أدنى الشام ( وهم من بعد غلبهم سيغلبون ) الآية ، قال : لما أنزل الله هؤلاء الآيات صدق المسلمون ربهم ، وعلموا أن الروم سيظهرون على فارس ، فاقتمروا هم والمشركون خمس قلائص خمس قلائص ، وأجلوا بينهم خمس سنين ، [ ص: 72 ] فولي قمار المسلمين أبو بكر رضي الله عنه ، وولي قمار المشركين أبي بن خلف ، وذلك قبل أن ينهى عن القمار ، فحل الأجل ، ولم يظهر الروم على فارس ، وسأل المشركون قمارهم ، فذكر ذلك أصحاب النبي للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لم تكونوا أحقاء أن تؤجلوا دون العشر ، فإن البضع ما بين الثلاث إلى العشر ، وزايدوهم في القمار ، ومادوهم في الأجل " ، ففعلوا ذلك ، فأظهر الله الروم على فارس عند رأس البضع سنين من قمارهم الأول ، وكان ذلك مرجعه من الحديبية ، ففرح المسلمون بصلحهم الذي كان ، وبظهور أهل الكتاب على المجوس ، وكان ذلك مما شدد الله به الإسلام وهو قوله : ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ) الآية .
حدثني
يعقوب قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، عن
الشعبي في قوله : (
الم غلبت الروم ) إلى قوله : (
ويومئذ يفرح المؤمنون ) قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=812458كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر الناس بمكة أن الروم ستغلب ، قال : فنزل القرآن بذلك ، قال : وكان المسلمون يحبون ظهور الروم على فارس ؛ لأنهم أهل الكتاب .
حدثنا
ابن وكيع قال : ثنا
المحاربي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، عن
عامر ، عن
عبد الله قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811712كانت فارس ظاهرة على الروم ، وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم ، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس ؛ لأنهم أهل كتاب ، وهم أقرب إلى دينهم ، فلما نزلت ( الم غلبت الروم ) إلى ( في بضع سنين ) قالوا : يا أبا بكر ، إن صاحبك يقول : إن الروم تظهر على فارس في بضع سنين ، قال : صدق . قالوا : هل لك أن نقامرك ؟ فبايعوه على أربع قلائص إلى سبع سنين ، فمضت السبع ولم يكن شيء ، ففرح المشركون بذلك ، وشق على المسلمين ، فذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - : فقال : " ما بضع سنين عندكم ؟ " قالوا : دون العشر . قال : " اذهب ، فزايدهم وازدد سنتين " قال : فما مضت السنتان حتى جاءت الركبان بظهور الروم على فارس ، ففرح المسلمون بذلك ، فأنزل الله : ( الم غلبت الروم ) إلى قوله : ( وعد الله لا يخلف الله وعده ) .
حدثنا
ابن وكيع قال : ثنا أبي ، عن
الأعمش ومطر ، عن
أبي الضحى ، عن
مسروق ، عن
عبد الله قال : مضت
الروم .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
الم غلبت الروم في أدنى الأرض )
[ ص: 73 ] قال : أدنى الأرض :
الشأم ، (
وهم من بعد غلبهم سيغلبون ) قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=812459كانت فارس قد غلبت الروم ، ثم أديل الروم على فارس ، وذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الروم ستغلب فارس " ، فقال المشركون : هذا مما يتخرص محمد ، فقال أبو بكر : تناحبونني ؟ - والمناحبة : المجاعلة - قالوا : نعم . فناحبهم أبو بكر ، فجعل السنين أربعا أو خمسا ، ثم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول - صلى الله عليه وسلم - : " إن البضع فيما بين الثلاث إلى التسع ، فارجع إلى القوم ، فزد في المناحبة " ، فرجع إليهم . قالوا : فناحبهم فزاد . قال : فغلبت الروم فارس ، فذلك قول الله : ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء ) يوم أديلت الروم على فارس .
حدثنا
ابن وكيع قال : ثنا
معاوية بن عمرو ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11816أبي إسحاق الفزاري ، عن
سفيان ، عن
حبيب بن أبي عمرة ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس (
الم غلبت الروم ) قال : غلبت وغلبت ؛ فأما الذين قرءوا ذلك : (
غلبت الروم ) بفتح الغين ، فإنهم قالوا : نزلت هذه الآية خبرا من الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - عن غلبة
الروم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
نصر بن علي قال : ثنا
المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726سليمان - يعني الأعمش - عن
عطية ، عن
أبي سعيد قال : لما كان يوم ظهر
الروم على
فارس ، فأعجب ذلك المؤمنين ، فنزلت (
الم غلبت الروم ) على
فارس .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : ثنا
يحيى بن حماد قال : ثنا
أبو عوانة ، عن
سليمان ، عن
عطية ، عن
أبي سعيد قال : لما كان يوم
بدر ، غلبت
الروم على
فارس ، ففرح المسلمون بذلك ، فأنزل الله (
الم غلبت الروم ) إلى آخر الآية .
حدثنا
يحيى بن إبراهيم المسعودي قال : ثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن
الأعمش ، عن
عطية ، عن
أبي سعيد قال : لما كان يوم
بدر ، ظهرت
الروم على
فارس ، فأعجب ذلك المؤمنين ؛ لأنهم أهل كتاب ، فأنزل الله (
الم غلبت الروم في أدنى الأرض ) قال : كانوا قد غلبوا قبل ذلك ، ثم قرأ حتى بلغ (
ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ) .
وقوله : (
في أدنى الأرض ) قد ذكرت قول بعضهم فيما تقدم قبل ، وأذكر
[ ص: 74 ] قول من لم يذكر قوله .
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله : (
في أدنى الأرض ) يقول : في طرف
الشام . ومعنى قوله أدنى : أقرب ، وهو أفعل من الدنو والقرب . وإنما معناه : في أدنى الأرض من
فارس ، فترك ذكر
فارس استغناء بدلالة ما ظهر من قوله : (
في أدنى الأرض ) عليه منه . وقوله : (
وهم من بعد غلبهم ) يقول :
والروم من بعد غلبة
فارس إياهم سيغلبون
فارس .
وقوله : (
من بعد غلبهم ) مصدر من قول القائل : غلبته غلبة ، فحذفت الهاء من الغلبة . وقيل : من بعد غلبهم ، ولم يقل : من بعد غلبتهم للإضافة ، كما حذفت من قوله : (
وإقام الصلاة ) للإضافة . وإنما الكلام : وإقامة الصلاة .
وأما قوله : ( سيغلبون ) فإن القراء أجمعين على فتح الياء فيها ، والواجب على قراءة من قرأ : (
الم غلبت الروم ) بفتح الغين ، أن يقرأ قوله : ( سيغلبون ) بضم الياء ، فيكون معناه : وهم من بعد غلبتهم
فارس سيغلبهم المسلمون ، حتى يصح معنى الكلام ، وإلا لم يكن للكلام كبير معنى إن فتحت الياء ، لأن الخبر عما قد كان يصير إلى الخبر عن أنه سيكون ، وذلك إفساد أحد الخبرين بالآخر .
وقوله : (
في بضع سنين ) قد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في معنى البضع فيما مضى ، وأتينا على الصحيح من أقوالهم ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وقد حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
الحكم بن بشير قال : ثنا
خلاد بن أسلم الصفار ، عن
عبد الله بن عيسى ، عن
عبد الرحمن بن الحارث ، عن أبيه ، عن
عبد الله بن عمرو قال : قلت له : ما البضع ؟ قال : زعم أهل الكتاب أنه تسع أو سبع .
وأما قوله : (
لله الأمر من قبل ومن بعد ) فإن
القاسم حدثنا ، قال : ثنا
الحسين قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قوله : (
لله الأمر من قبل ) دولة
فارس على
الروم ، ( ومن بعد ) دولة
الروم على
فارس .
وأما قوله : (
ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء ) فقد ذكرنا الرواية في تأويله قبل ، وبينا معناه .