1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة الروم
  4. القول في تأويل قوله تعالى " ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون ( 28 ) )

يقول - تعالى ذكره - : مثل لكم أيها القوم ربكم مثلا من أنفسكم ، ( هل لكم من ما ملكت أيمانكم ) يقول : من مماليككم من شركاء ، فيما رزقناكم من مال ، فأنتم فيه سواء وهم؟ يقول : فإذا لم ترضوا بذلك لأنفسكم فكيف رضيتم أن تكون آلهتكم التي تعبدونها لي شركاء في عبادتكم إياي ، وأنتم وهم عبيدي ومماليكي ، وأنا مالك جميعكم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء ) قال : مثل ضربه الله لمن عدل به شيئا من خلقه ، يقول : أكان أحدكم مشاركا مملوكه في فراشه وزوجته ؟! فكذلكم الله لا يرضى أن يعدل به أحد من خلقه .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء ) قال : هل تجد أحدا يجعل عبده هكذا في ماله ، فكيف تعمد أنت وأنت تشهد أنهم عبيدي وخلقي ، وتجعل لهم نصيبا في عبادتي ، كيف يكون هذا ؟ قال : وهذا مثل ضربه الله لهم ، وقرأ : ( كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون ) .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( تخافونهم كخيفتكم أنفسكم ) فقال بعضهم : معنى ذلك : تخافون هؤلاء الشركاء ، مما ملكت أيمانكم ، أن يرثوكم أموالكم من بعد وفاتكم ، كما يرث بعضكم بعضا . [ ص: 96 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثت عن حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس قال : في الآلهة ، وفيه يقول : تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : تخافون هؤلاء الشركاء مما ملكت أيمانكم أن يقاسموكم أموالكم ، كما يقاسم بعضكم بعضا .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا المعتمر قال : سمعت عمران قال : قال أبو مجلز : إن مملوكك لا تخاف أن يقاسمك مالك ، وليس له ذلك ، كذلك الله لا شريك له .

وأولى القولين بالصواب في تأويل ذلك ، القول الثاني ؛ لأنه أشبههما بما دل عليه ظاهر الكلام ، وذلك أن الله جل ثناؤه وبخ هؤلاء المشركين الذين يجعلون له من خلقه آلهة يعبدونها ، وأشركوهم في عبادتهم إياه ، وهم مع ذلك يقرون بأنها خلقه وهم عبيده ، وعيرهم بفعلهم ذلك ، فقال لهم : هل لكم من عبيدكم شركاء فيما خولناكم من نعمنا ، فهم سواء ، وأنتم في ذلك تخافون أن يقاسموكم ذلك المال الذي هو بينكم وبينهم ، كخيفة بعضكم بعضا أن يقاسمه ما بينه وبينه من المال شركة ، فالخيفة التي ذكرها - تعالى ذكره - بأن تكون خيفة مما يخاف الشريك من مقاسمة شريكه المال الذي بينهما إياه ، أشبه من أن تكون خيفة منه بأن يرثه ؛ لأن ذكر الشركة لا يدل على خيفة الوراثة ، وقد يدل على خيفة الفراق والمقاسمة .

وقوله : ( كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون ) يقول - تعالى ذكره - : كما بينا لكم أيها القوم حججنا في هذه الآيات من هذه السورة على قدرتنا على ما نشاء من إنشاء ما نشاء ، وإفناء ما نحب ، وإعادة ما نريد إعادته بعد فنائه ، ودللنا على أنه لا تصلح العبادة إلا للواحد القهار ، الذي بيده ملكوت كل شيء كذلك نبين حججنا في كل حق لقوم يعقلون ، فيتدبرونها إذا سمعوها ، ويعتبرون فيتعظون بها .

التالي السابق


الخدمات العلمية