القول في تأويل قوله تعالى : (
ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم ( 27 ) )
يقول - تعالى ذكره - : ولو أن شجر الأرض كلها بريت أقلاما (
والبحر يمده ) يقول : والبحر له مداد ، والهاء في قوله : ( يمده ) عائدة على البحر . وقوله : (
من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ) وفي هذا الكلام محذوف استغنى بدلالة الظاهر عليه منه ، وهو يكتب كلام الله بتلك الأقلام وبذلك المداد ، لتكسرت تلك الأقلام ، ولنفد ذلك المداد ، ولم تنفد كلمات الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يعقوب قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
أبي رجاء قال : سألت
الحسن عن هذه الآية (
ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ) قال : لو جعل شجر الأرض أقلاما ، وجعل البحور مدادا ، وقال الله : إن من أمري كذا ، ومن أمري كذا ، لنفد ماء البحور ، وتكسرت الأقلام .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
الحكم قال : ثنا
عمرو في قوله : (
ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ) قال : لو بريت أقلاما والبحر مدادا ، فكتب بتلك الأقلام منه (
ما نفدت كلمات الله ) ولو مده سبعة أبحر .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله :
[ ص: 152 ] (
ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ) قال : قال المشركون : إنما هذا كلام يوشك أن ينفد ، قال : لو كان شجر البر أقلاما ، ومع البحر سبعة أبحر ما كان لتنفد عجائب ربي وحكمته وخلقه وعلمه .
وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سبب مجادلة كانت من
اليهود له .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو كريب قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17416يونس بن بكير قال : ثنا
ابن إسحاق قال : ثني رجل من أهل
مكة ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=812462أن أحبار يهود قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة : يا محمد ، أرأيت قوله : ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) إيانا تريد أم قومك ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كلا " ، فقالوا : ألست تتلو فيما جاءك : أنا قد أوتينا التوراة فيها تبيان كل شيء ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنها في علم الله قليل وعندكم من ذلك ما يكفيكم " ، فأنزل الله عليه فيما سألوه عنه من ذلك ( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ) أي أن التوراة في هذا من علم الله قليل .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : ثني
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
داود ، عن
عكرمة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811714سأل أهل الكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الروح ، فأنزل الله ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) فقالوا : تزعم أنا لم نؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتينا التوراة ، وهي الحكمة ( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) قال : فنزلت ( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ) قال : ما أوتيتم من علم فنجاكم الله به من النار ، وأدخلكم الجنة ، فهو كثير طيب ، وهو في علم الله قليل .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
سلمة قال : ثني
محمد بن إسحاق ، عن بعض أصحابه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار قال :
لما نزلت بمكة ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) يعني : اليهود ، فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ، أتاه أحبار يهود ، فقالوا : يا محمد ، ألم يبلغنا أنك تقول : ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) أفتعنينا أم قومك ؟ قال : " كلا قد عنيت " ، قالوا : فإنك تتلو أنا قد أوتينا التوراة وفيها تبيان [ ص: 153 ] كل شيء ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هي في علم الله قليل ، وقد آتاكم الله ما إن عملتم به انتفعتم " ، فأنزل الله : ( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ) إلى قوله : ( إن الله سميع بصير ) .
واختلفت القراء في قراءة قوله : (
والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ) فقرأته عامة
قراء المدينة والكوفة : ( والبحر ) رفعا على الابتداء ، وقرأته
قراء البصرة نصبا ، عطفا به على " ما " في قوله : (
ولو أنما في الأرض ) ، وبأيتهما قرأ القارئ فمصيب عندي . وقوله : (
إن الله عزيز حكيم ) يقول : إن الله ذو عزة في انتقامه ممن أشرك به ، وادعى معه إلها غيره ، حكيم في تدبيره خلقه .