القول في تأويل قوله تعالى : (
ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير ( 28 ) )
يقول - تعالى ذكره - : ما خلقكم أيها الناس ولا بعثكم على الله إلا كخلق نفس واحدة وبعثها ، وذلك أن الله لا يتعذر عليه شيء أراده ، ولا يمتنع منه شيء شاءه (
إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) فسواء خلق واحد وبعثه ، وخلق الجميع وبعثهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثني
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله : (
كنفس واحدة ) يقول : كن فيكون للقليل والكثير .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ) قال : يقول : إنما خلق الله الناس كلهم وبعثهم كخلق نفس واحدة وبعثها ، وإنما صلح أن يقال : إلا كنفس واحدة ، والمعنى : إلا كخلق نفس واحدة ؛ لأن المحذوف فعل يدل عليه قوله : (
ما خلقكم ولا بعثكم ) والعرب تفعل ذلك في المصادر ، ومنه قول الله : (
تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت ) والمعنى : كدوران عين الذي يغشى عليه من الموت ، فلم يذكر الدوران والعين لما وصفت .
[ ص: 154 ]
وقوله : (
إن الله سميع بصير ) يقول - تعالى ذكره - : إن الله سميع لما يقول هؤلاء المشركون ويفترونه على ربهم ، من ادعائهم له الشركاء والأنداد وغير ذلك من كلامهم وكلام غيرهم ، بصير بما يعملونه وغيرهم من الأعمال ، وهو مجازيهم على ذلك جزاءهم .