القول في تأويل قوله تعالى : ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ( 34 ) )
يقول - تعالى ذكره - : (
يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ) هو آتيكم ؛ علم إتيانه إياكم عند ربكم ، لا يعلم أحد متى هو جائيكم ، لا يأتيكم إلا بغتة ، فاتقوه أن يفجأكم بغتة ، وأنتم على ضلالتكم لم تنيبوا منها ، فتصيروا من عذاب الله وعقابه إلى ما لا قبل لكم به . وابتدأ - تعالى ذكره - الخبر عن علمه بمجيء الساعة . والمعنى : ما ذكرت لدلالة الكلام على المراد منه ، فقال : (
إن الله عنده علم الساعة ) التي تقوم فيها القيامة ، لا يعلم ذلك أحد غيره (
وينزل الغيث ) من السماء ، لا يقدر على ذلك أحد غيره ، (
ويعلم ما في الأرحام ) أرحام الإناث (
وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ) يقول : وما تعلم نفس حي ماذا تعمل في غد ، (
وما تدري نفس بأي أرض تموت ) يقول : وما تعلم نفس حي بأي أرض تكون منيتها (
إن الله عليم خبير ) يقول : إن الذي يعلم ذلك كله هو الله دون كل أحد سواه ، إنه ذو علم بكل شيء ، لا يخفى عليه شيء ، خبير بما هو كائن ، وما قد كان .
[ ص: 160 ]
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
إن الله عنده علم الساعة ) قال :
جاء رجل - قال أبو جعفر : أحسبه أنا ، قال : - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن امرأتي حبلى ، فأخبرني ماذا تلد ؟ وبلادنا محل جدبة ، فأخبرني متى ينزل الغيث ؟ وقد علمت متى ولدت ، فأخبرني متى أموت ، فأنزل الله : ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ) إلى آخر السورة ، قال : فكان مجاهد يقول : هن مفاتح الغيب التي قال الله ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ) .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
إن الله عنده علم الساعة ) الآية ، أشياء من الغيب ، استأثر الله بهن ، فلم يطلع عليهن ملكا مقربا ، ولا نبيا مرسلا (
إن الله عنده علم الساعة ) فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة ، في أي سنة ، أو في أي شهر ، أو ليل ، أو نهار (
وينزل الغيث ) فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث ، ليلا أو نهارا ينزل ؟ (
ويعلم ما في الأرحام ) فلا يعلم أحد ما في الأرحام ، أذكر أو أنثى ، أحمر أو أسود ، أو ما هو ؟ (
وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ) خير أم شر ، ولا تدري يا ابن آدم متى تموت ؟ لعلك الميت غدا ، لعلك المصاب غدا ؟ (
وما تدري نفس بأي أرض تموت ) ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض في بحر أو بر أو سهل أو جبل ، تعالى وتبارك .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
جرير ، عن
مغيرة ، عن
الشعبي قال : قالت
عائشة : من قال : إن أحدا يعلم الغيب إلا الله فقد كذب ، وأعظم الفرية على الله ، قال الله : (
لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ) .
حدثنا
يعقوب قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
يونس بن عبيد ، عن
عمرو بن شعيب nindex.php?page=hadith&LINKID=812465أن رجلا قال : يا رسول الله ، هل من العلم علم لم تؤته ؟ قال : " لقد أوتيت علما [ ص: 161 ] كثيرا ، وعلما حسنا " ، أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية : ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ) إلى ( إن الله عليم خبير ) لا يعلمهن إلا الله تبارك وتعالى " .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : ثني
عمرو بن محمد ، عن أبيه ، عن
عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811715 " مفاتح الغيب خمسة " ثم قرأ هؤلاء الآيات ( إن الله عنده علم الساعة ) إلى آخرها .
حدثني
علي بن سهل قال : ثنا
مؤمل قال : ثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16430عبد الله بن دينار ، أنه سمع
ابن عمر يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811716 " مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله ، ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ) " الآية ، ثم قال : " لا يعلم ما في غد إلا الله ، ولا يعلم أحد متى ينزل الغيث إلا الله ، ولا يعلم أحد متى قيام الساعة إلا الله ، ولا يعلم أحد ما في الأرحام إلا الله ، ولا تدري نفس بأي أرض تموت . "
حدثنا
ابن وكيع قال : ثنا أبي ، عن
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16430عبد الله بن دينار ، عن
ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810885 " مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله : إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير " .
حدثنا
ابن وكيع قال : ثني أبي ، عن
مسعر ، عن
عمرو بن مرة ، عن
عبد الله بن سلمة ، عن
ابن مسعود قال : كل شيء أوتيه نبيكم - صلى الله عليه وسلم - إلا علم الغيب الخمس : (
إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ) .
حدثنا
ابن وكيع قال : ثنا أبي ، عن
ابن أبي خالد ، عن
عامر ، عن
مسروق ، عن
عائشة ، قالت : من حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ، ثم قرأت : (
وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ) .
[ ص: 162 ]
قال : ثنا
جرير nindex.php?page=showalam&ids=13382وابن علية ، عن
أبي خباب ، عن
أبي زرعة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810886خمس لا يعلمهن إلا الله : ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ) الآية " .
حدثني
أبو شرحبيل قال : ثنا
أبو اليمان قال : ثنا
إسماعيل ، عن
جعفر ، عن
عمرو بن مرة ، عن
عبد الله بن سلمة ، عن
ابن مسعود قال : كل شيء قد أوتي نبيكم غير مفاتح الغيب الخمس ، ثم قرأ هذه الآية (
إن الله عنده علم الساعة ) إلى آخرها .
وقيل : (
بأي أرض تموت ) ، وفيه لغة أخرى : ( بأية أرض ) فمن قال : ( بأي أرض ) اجتز بتأنيث الأرض من أن يظهر في ( أي ) تأنيث آخر ، ومن قال ( بأية أرض ) فأنث ، ( أي ) قال : قد تجتزئ بأي مما أضيف إليه ، فلا بد من التأنيث ، كقول القائل : مررت بامرأة ، فيقال له : بأية ، ومررت برجل ، فيقال له بأي ؟ ويقال : أي امرأة جاءتك وجاءك ، وأية امرأة جاءتك .
آخر تفسير سورة لقمان .