القول في تأويل قوله تعالى : (
ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ( 4 ) )
اختلف أهل التأويل في المراد من قول الله
( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) فقال بعضهم : عنى بذلك تكذيب قوم من أهل النفاق ، وصفوا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه ذو قلبين ، فنفى الله ذلك عن نبيه وكذبهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو كريب قال : ثنا
حفص بن نفيل قال : ثنا
زهير بن معاوية ، عن
قابوس بن أبي ظبيان أن أباه حدثه ، قال : قلنا
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس : أرأيت قول الله : (
ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) ما عنى بذلك ؟ قال : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما فصلى ، فخطر خطرة فقال المنافقون الذين يصلون معه : إن له قلبين ، قلبا معكم ، وقلبا معهم ، فأنزل الله (
ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) .
وقال آخرون : بل عني بذلك : رجل من
قريش كان يدعى ذا القلبين من دهيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) قال : كان رجل من
قريش يسمى من دهيه ذا القلبين ، فأنزل الله هذا في شأنه .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) قال : إن رجلا من
بني فهر ، قال : إن في جوفي
[ ص: 205 ] قلبين ، أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل
محمد ، وكذب .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) قال
قتادة : كان رجل على عهد رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - - يسمى ذا القلبين ، فأنزل الله فيه ما تسمعون .
قال
قتادة : وكان
الحسن يقول : كان رجل يقول : لي نفس تأمرني ، ونفس تنهاني ، فأنزل الله فيه ما تسمعون .
حدثنا
ابن وكيع قال : ثنا أبي ، عن
سفيان ، عن
خصيف ، عن
عكرمة قال : كان رجل يسمى ذا القلبين ، فنزلت (
ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) .
وقال آخرون : بل عنى بذلك
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة من أجل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان تبناه ، فضرب الله بذلك مثلا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال :
أخبرنا معمر ، عن
الزهري ، في قوله : (
ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) قال : بلغنا أن ذلك كان في
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة ، ضرب له مثلا يقول : ليس ابن رجل آخر ابنك .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : ذلك تكذيب من الله تعالى قول من قال : لرجل في جوفه قلبان يعقل بهما ، على النحو الذي روي عن
ابن عباس ، وجائز أن يكون ذلك تكذيبا من الله لمن وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك ، وأن يكون تكذيبا لمن سمى القرشي الذي ذكر أنه سمي ذا القلبين من دهيه ، وأي الأمرين كان فهو نفي من الله عن خلقه من الرجال أن يكونوا بتلك الصفة .
وقوله :
( وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم ) يقول - تعالى ذكره - : ولم يجعل الله أيها الرجال نساءكم اللائي تقولون لهن : أنتن علينا كظهور أمهاتنا أمهاتكم ، بل جعل ذلك من قبلكم كذبا ، وألزمكم عقوبة لكم كفارة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم ) : أي ما جعلها أمك ؛ فإذا ظاهر الرجل من امرأته ، فإن الله
[ ص: 206 ] لم يجعلها أمه ، ولكن جعل فيها الكفارة .
وقوله : (
وما جعل أدعياءكم أبناءكم ) يقول : ولم يجعل الله من ادعيت أنه ابنك - وهو ابن غيرك - ابنك بدعواك .
وذكر أن ذلك نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجل تبنيه
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة .
ذكر الرواية بذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله : (
أدعياءكم أبناءكم ) قال : نزلت هذه الآية في
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
وما جعل أدعياءكم أبناءكم ) قال : كان
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة حين من الله ورسوله عليه ، يقال له :
زيد بن محمد ، كان تبناه ، فقال الله : (
ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ) قال : وهو يذكر الأزواج والأخت ، فأخبره أن الأزواج لم تكن بالأمهات أمهاتكم ، ولا أدعياءكم أبناءكم .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وما جعل أدعياءكم أبناءكم ) وما جعل دعيك ابنك ، يقول : إذا ادعى رجل رجلا وليس بابنه (
ذلكم قولكم بأفواهكم ) الآية ، وذكر لنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810897 " من ادعى إلى غير أبيه متعمدا حرم الله عليه الجنة " .
حدثنا
أبو كريب قال : ثنا
ابن أبي زائدة ، عن
أشعث ، عن
عامر قال : ليس في
الأدعياء زيد وقوله : (
ذلكم قولكم بأفواهكم ) يقول - تعالى ذكره - هذا القول وهو قول الرجل لامرأته : أنت علي كظهر أمي ، ودعاؤه من ليس بابنه أنه ابنه ، إنما هو قولكم بأفواهكم لا حقيقة له ، لا يثبت بهذه الدعوى نسب الذي ادعيت بنوته ، ولا تصير الزوجة أما بقول الرجل لها : أنت علي كظهر أمي (
والله يقول الحق ) يقول : والله هو الصادق الذي يقول الحق ، وبقوله يثبت نسب من أثبت نسبه ، وبه تكون المرأة للمولود ، أما إذا حكم بذلك (
وهو يهدي السبيل ) يقول - تعالى ذكره - : والله يبين لعباده سبيل الحق ، ويرشدهم لطريق الرشاد .