القول في تأويل قوله تعالى : (
النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا ( 6 ) )
يقول - تعالى ذكره - : ( النبي )
محمد (
أولى بالمؤمنين ) يقول : أحق بالمؤمنين به ( من أنفسهم ) ، أن يحكم فيهم بما يشاء من حكم ، فيجوز ذلك عليهم .
كما حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد : (
النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) كما أنت أولى بعبدك ما قضى فيهم من أمر جاز ، كما كلما قضيت على عبدك جاز .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
[ ص: 209 ] الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) قال : هو أب لهم .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : ثنا
عثمان بن عمر قال : ثنا
فليح ، عن
هلال بن علي ، عن
عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810898ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة ، اقرءوا إن شئتم ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) وأيما مؤمن ترك مالا فلورثته وعصبته من كانوا ، وإن ترك دينا أو ضياعا فليأتني وأنا مولاه " .
حدثنا
ابن وكيع قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=35حسن بن علي ، عن
أبي موسى إسرائيل بن موسى قال : قرأ
الحسن هذه الآية (
النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ) قال : قال
الحسن : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810899 " أنا أولى بكل مؤمن من نفسه " قال
الحسن : وفي القراءة الأولى (
أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم ) .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قال : في بعض القراءة (
النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم ) وذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811720 " أيما رجل ترك ضياعا فأنا أولى به ، وإن ترك مالا فهو لورثته " .
وقوله :
( وأزواجه أمهاتهم ) يقول : وحرمة أزواجه حرمة أمهاتهم عليهم ، في أنهن يحرم عليهن نكاحهن من بعد وفاته ، كما يحرم عليهم نكاح أمهاتهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ) يعظم بذلك حقهن ، وفي بعض القراءة : ( وهو أب لهم ) .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
وأزواجه أمهاتهم ) محرمات عليهم .
وقوله :
( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين ) يقول - تعالى ذكره - : وأولوا الأرحام الذين ورثت بعضهم من بعض ، هم أولى بميراث بعض من المؤمنين والمهاجرين أن يرث بعضهم بعضا ، بالهجرة والإيمان دون الرحم .
[ ص: 210 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين ) لبث المسلمون زمانا يتوارثون بالهجرة ، والأعرابي المسلم لا يرث من المهاجرين شيئا ، فأنزل الله هذه الآية ، فخلط المؤمنين بعضهم ببعض ، فصارت المواريث بالملل .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد آخى بين
المهاجرين والأنصار أول ما كانت الهجرة ، وكانوا يتوارثون على ذلك ، وقال الله : (
ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ) قال : إذا لم يأت رحم لهذا يحول دونهم ، قال : فكان هذا أولا فقال الله :
( إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) يقول : إلا أن توصوا لهم (
كان ذلك في الكتاب مسطورا ) أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ، قال : وكان المؤمنون
والمهاجرون لا يتوارثون إن كانوا أولي رحم ، حتى يهاجروا إلى
المدينة ، وقرأ قال الله : (
والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ) إلى قوله : (
وفساد كبير ) فكانوا لا يتوارثون ، حتى إذا كان عام الفتح ، انقطعت الهجرة ، وكثر الإسلام ، وكان لا يقبل من أحد أن يكون على الذي كان عليه النبي ومن معه إلا أن يهاجر ؛ قال : وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن بعث :
" اغدوا على اسم الله لا تغلوا ولا تولوا ، ادعوهم إلى الإسلام ، فإن أجابوكم فاقبلوا وادعوهم إلى الهجرة ، فإن هاجروا معكم ، فلهم ما لكم ، وعليهم ما عليكم ، فإن أبوا ولم يهاجروا واختاروا دارهم فأقروهم فيها ، فهم كالأعراب تجري عليهم أحكام الإسلام ، وليس لهم في هذا الفيء نصيب " . قال : فلما جاء الفتح ، وانقطعت الهجرة ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810900لا هجرة بعد الفتح " وكثر الإسلام ، وتوارث الناس على الأرحام حيث كانوا ، ونسخ ذلك الذي كان بين المؤمنين
والمهاجرين ، وكان لهم في الفيء نصيب ، وإن أقاموا وأبوا ، وكان حقهم في الإسلام واحدا ، المهاجر وغير المهاجر والبدوي وكل أحد ، حين جاء الفتح .
[ ص: 211 ]
فمعنى الكلام على هذا التأويل : وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض من المؤمنين والمهاجرين ببعضهم أن يرثوهم بالهجرة ، وقد يحتمل ظاهر هذا الكلام أن يكون من صلة الأرحام من المؤمنين
والمهاجرين ، أولى بالميراث ، ممن لم يؤمن ، ولم يهاجر .
وقوله : (
إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معنى ذلك : إلا أن توصوا لذوي قرابتكم من غير أهل الإيمان والهجرة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن وكيع قال : ثنا
أبو معاوية ، عن
حجاج ، عن
سالم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12691ابن الحنفية (
إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) قالوا : يوصي لقرابته من أهل الشرك .
قال : ثنا
عبدة قال : قرأت على
ابن أبي عروبة ، عن
قتادة (
إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) قال : للقرابة من أهل الشرك وصية ، ولا ميراث لهم .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) قال : إلى أوليائكم من أهل الشرك وصية ، ولا ميراث لهم .
حدثنا
ابن وكيع قال : ثنا
أبو أحمد الزبيري ويحيى بن آدم ، عن
ابن المبارك ، عن
معمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير ، عن
عكرمة (
إلى أوليائكم معروفا ) قال : وصية .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : أخبرني
محمد بن عمرو ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قلت
لعطاء : ما قوله : (
إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) فقال : العطاء ، فقلت له : المؤمن للكافر بينهما قرابة ؟ قال : نعم عطاؤه إياه حباء ووصية له .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إلا أن تمسكوا بالمعروف بينكم بحق الإيمان والهجرة والحلف ، فتؤتونهم حقهم من النصرة والعقل عنهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله : (
إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) قال : حلفاؤكم الذين والى بينهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من
المهاجرين والأنصار ، إمساك بالمعروف والعقل والنصر بينهم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أن توصوا إلى أوليائكم من
المهاجرين وصية .
[ ص: 212 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد : (
إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) يقول : إلا أن توصوا لهم .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال : معنى ذلك إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم الذين كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخى بينهم وبينكم من
المهاجرين والأنصار معروفا من الوصية لهم ، والنصرة والعقل عنهم ، وما أشبه ذلك ، لأن كل ذلك من المعروف الذي قد حث الله عليه عباده .
وإنما اخترت هذا القول ، وقلت : هو أولى بالصواب من قيل من قال : عنى بذلك الوصية للقرابة من أهل الشرك ، لأن القريب من المشرك وإن كان ذا نسب فليس بالمولى ، وذلك أن الشرك يقطع ولاية ما بين المؤمن والمشرك ، وقد نهى الله المؤمنين أن يتخذوا منهم وليا بقوله : (
لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) وغير جائز أن ينهاهم عن اتخاذهم أولياء ، ثم يصفهم جل ثناؤه بأنهم لهم أولياء . وموضع " أن " من قوله : (
إلا أن تفعلوا ) نصب على الاستثناء ومعنى الكلام : وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين ، إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم الذين ليسوا بأولي أرحام منكم معروفا .
وقوله :
( كان ذلك في الكتاب مسطورا ) يقول : كان أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ، أي في اللوح المحفوظ مسطورا أي مكتوبا ، كما قال الراجز :
في الصحف الأولى التي كان سطر
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
كان ذلك في الكتاب مسطورا ) : أي أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله .
وقال آخرون : معنى ذلك : كان ذلك في الكتاب مسطورا : لا يرث المشرك المؤمن .