القول في تأويل قوله تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ( 21 )
ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ( 22 ) )
اختلفت القراء في قراءة قوله : ( أسوة ) فقرأ ذلك عامة قراء الأمصار : ( إسوة ) بكسر الألف ، خلا
عاصم بن أبي النجود ، فإنه قرأه بالضم ( أسوة ) ، وكان
يحيى بن وثاب يقرأ هذه بالكسر ، ويقرأ قوله : (
لقد كان لكم فيهم أسوة ) بالضم وهما لغتان .
وذكر أن الكسر في أهل
الحجاز ، والضم في
قيس ، يقولون : أسوة ، وأخوة ، وهذا عتاب من الله للمتخلفين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعسكره
بالمدينة ، من المؤمنين به ، يقول لهم جل ثناؤه : (
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) : أن تتأسوا به وتكونوا معه حيث كان ، ولا تتخلفوا عنه (
لمن كان يرجو الله ) يقول : فإن من يرجو ثواب الله ورحمته في الآخرة لا يرغب بنفسه ، ولكنه تكون له به أسوة في أن يكون معه حيث يكون هو .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
[ ص: 236 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق قال : ثني
يزيد بن رومان قال : ثم أقبل على المؤمنين ، فقال : (
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ) ألا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ، ولا عن مكان هو به (
وذكر الله كثيرا ) يقول : وأكثر ذكر الله في الخوف والشدة والرخاء .
وقوله :
( ولما رأى المؤمنون الأحزاب ) يقول : ولما عاين المؤمنون بالله ورسوله جماعات الكفار قالوا - تسليما منهم لأمر الله ، وإيقانا منهم بأن ذلك إنجاز وعده لهم الذي وعدهم بقوله : (
أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم ) إلى قوله : ( قريب ) - (
هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ) فأحسن الله عليهم بذلك من يقينهم ، وتسليمهم لأمره - الثناء ، فقال : وما زادهم اجتماع الأحزاب عليهم إلا إيمانا بالله وتسليما لقضائه وأمره ، ورزقهم به النصر والظفر على الأعداء .
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
ولما رأى المؤمنون الأحزاب ) الآية قال : ذلك أن الله قال لهم في سورة البقرة : (
أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ) إلى قوله : (
إن نصر الله قريب ) قال : فلما مسهم البلاء حيث رابطوا الأحزاب في
الخندق ، تأول المؤمنون ذلك ، ولم يزدهم ذلك إلا إيمانا وتسليما .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق قال : ثني
يزيد بن رومان قال : ثم ذكر المؤمنين وصدقهم وتصديقهم بما وعدهم الله من البلاء يختبرهم به (
قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ) : أي صبرا على البلاء ، وتسليما للقضاء ، وتصديقا بتحقيق ما كان الله وعدهم ورسوله .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ) وكان الله قد وعدهم في سورة البقرة فقال : (
أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه )
[ ص: 237 ] خيرهم وأصبرهم وأعلمهم بالله (
متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) هذا والله البلاء والنقص الشديد ، وإن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رأوا ما أصابهم من الشدة والبلاء (
قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ) وتصديقا بما وعدهم الله ، وتسليما لقضاء الله .