1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة الأحزاب
  4. القول في تأويل قوله تعالى " وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا ( 26 ) وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديرا ( 27 ) )

يقول - تعالى ذكره - : وأنزل الله الذين أعانوا الأحزاب من قريش وغطفان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، وذلك هو مظاهرتهم إياه ، وعنى بذلك بني قريظة ، وهم الذين ظاهروا الأحزاب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وقوله : ( من أهل الكتاب ) يعني : من أهل التوراة ، وكانوا يهودا : وقوله : ( من صياصيهم ) يعني : من حصونهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ؛ وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب ) قال : قريظة ، يقول : أنزلهم من صياصيهم .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب ) [ ص: 244 ] وهم : بنو قريظة ، ظاهروا أبا سفيان وراسلوه ، فنكثوا العهد الذي بينهم وبين نبي الله ، قال : فبينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند زينب بنت جحش يغسل رأسه ، وقد غسلت شقه ، إذ أتاه جبرائيل - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : عفا الله عنك ؛ ما وضعت الملائكة سلاحها منذ أربعين ليلة ، فانهض إلى بني قريظة ، فإني قد قطعت أوتارهم ، وفتحت أبوابهم ، وتركتهم في زلزال وبلبال ؛ قال : فاستلأم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم سلك سكة بني غنم ، فاتبعه الناس وقد عصب حاجبه بالتراب ؛ قال : فأتاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحاصروهم وناداهم : " يا إخوان القردة " ، فقالوا : يا أبا القاسم ، ما كنت فحاشا ، فنزلوا على حكم ابن معاذ ، وكان بينهم وبين قومه حلف ، فرجوا أن تأخذه فيهم هوادة ، وأومأ إليهم أبو لبابة إنه الذبح ، فأنزل الله ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ) فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم ، وأن تسبى ذراريهم ، وأن عقارهم للمهاجرين دون الأنصار ، فقال قومه وعشيرته : آثرت المهاجرين بالعقار علينا قال : فإنكم كنتم ذوي عقار ، وإن المهاجرين كانوا لا عقار لهم . وذكر لنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبر وقال : " قضى فيكم بحكم الله " .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : لما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخندق راجعا إلى المدينة والمسلمون ، ووضعوا السلاح ، فلما كانت الظهر أتى جبريل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .


كما حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن ابن شهاب الزهري : " معتجرا بعمامة من إستبرق ، على بغلة عليها رحالة ، عليها قطيفة من ديباج ؛ فقال : أقد وضعت السلاح يا رسول الله ؟ قال : نعم قال جبريل : ما وضعت الملائكة السلاح بعد ، ما رجعت الآن إلا من طلب القوم ، إن الله يأمرك يا محمد بالسير إلى بني قريظة ، وأنا عامد إلى بني قريظة " ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناديا ، فأذن في الناس : " إن من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة " ، وقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب رضي الله عنه برايته إلى بني قريظة ، وابتدرها الناس ، فسار علي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى إذا دنا من الحصون ، سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله [ ص: 245 ] عليه وسلم بالطريق ، فقال : يا رسول الله ، لا عليك ألا تدنو من هؤلاء الأخباث ، قال : " لم ؟ أظنك سمعت لي منهم أذى " قال : نعم يا رسول الله ، قال : " لو قد رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا " فلما دنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حصونهم قال : " يا إخوان القردة هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته ؟ " قالوا : يا أبا القاسم ، ما كنت جهولا ؛ ومر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة ، فقال : " هل مر بكم أحد ؟ " فقالوا : يا رسول الله ، قد مر بنا دحية بن خليفة الكلبي على بغلة بيضاء عليها رحالة عليها قطيفة ديباج ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ذاك جبرائيل بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ، ويقذف الرعب في قلوبهم " ؛ فلما أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريظة ، نزل على بئر من آبارها في ناحية من أموالهم يقال لها : بئر أنا ، فتلاحق به الناس ، فأتاه رجال من بعد العشاء الآخرة ، ولم يصلوا العصر لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة " ، فصلوا العصر فما عابهم الله بذلك في كتابه ولا عنفهم به رسوله .

والحديث عن محمد بن إسحاق ، عن أبيه ، عن معبد بن كعب بن مالك الأنصاري قال : وحاصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب . وقد كان حيي بن أخطب دخل على بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه ؛ فلما أيقنوا بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير منصرف عنهم حتى يناجزهم ؛ قال كعب بن أسد لهم : يا معشر يهود ، إنه قد نزل بكم من الأمر ما ترون ، وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا ، فخذوا أيها ؛ قالوا : وما هن ؟ قال : نبايع هذا الرجل ونصدقه ، فوالله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل ، وأنه الذي كنتم تجدونه في كتابكم ، فتأمنوا على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم ، قالوا : لا نفارق حكم التوراة أبدا ، ولا نستبدل به غيره ؛ قال : فإذا أبيتم هذه علي ، فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ، ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالا مصلتين بالسيوف ، ولم نترك وراءنا ثقلا يهمنا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد ، فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا شيئا نخشى عليه ، وإن نظهر فلعمري لنتخذن النساء والأبناء ، قالوا : نقتل هؤلاء المساكين ، فما خير العيش بعدهم ؛ قال : فإذا أبيتم هذه علي ، فإن [ ص: 246 ] الليلة ليلة السبت ، وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا ، فانزلوا لعلنا أن نصيب من محمد وأصحابه غرة ، قالوا : نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يكن أحدث فيه من كان قبلنا ؟ أما من قد علمت فأصابهم من المسخ ما لم يخف عليك ؟ قال : ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما ، قال : ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف ، - وكانوا من حلفاء الأوس - نستشيره في أمرنا ، فأرسله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فلما رأوه قام إليه الرجال ، وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه ، فرق لهم وقالوا له : يا أبا لبابة ، أترى أن ننزل على حكم محمد ؟ قال : نعم ، وأشار بيده إلى حلقه ، إنه الذبح ؛ قال أبو لبابة : فوالله ما زالت قدماي حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله ؛ ثم انطلق أبو لبابة على وجهه . ولم يأت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده وقال : لا أبرح مكاني حتى يتوب الله علي مما صنعت وعاهد الله لا يطأ بني قريظة أبدا ولا يراني الله في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا ، فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبره ، وكان قد استبطأه ، قال : " أما إنه لو كان جاءني لاستغفرت له ، أما إذ فعل ما فعل ، فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه " ؛ ثم إن ثعلبة بن سعية ، وأسيد بن سعية ، وأسد بن عبيد ، وهم نفر من بني هذيل ليسوا من بني قريظة ، ولا النضير ، نسبهم فوق ذلك ، هم بنو عم القوم ، أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها قريظة على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعدي القرظي ، فمر بحرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعليه محمد بن مسلمة الأنصاري تلك الليلة ؛ فلما رآه قال : من هذا ؟ قال : عمرو بن سعدي ؛ وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : لا أغدر بمحمد أبدا ، فقال محمد بن مسلمة حين عرفه : اللهم لا تحرمني إقالة عثرات الكرام ، ثم خلى سبيله ، فخرج على وجهه حتى بات في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة تلك الليلة ، ثم ذهب ، فلا يدرى أين ذهب من أرض الله إلى يومه هذا ؛ فذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شأنه ، فقال : " ذاك رجل نجاه الله بوفائه " . قال : وبعض الناس كان يزعم أنه كان أوثق برمة فيمن أوثق من بني قريظة حين نزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأصبحت رمته ملقاة ، ولا يدرى أين ذهب ، [ ص: 247 ] فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك المقالة ، فالله أعلم .

فلما أصبحوا ، نزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فتواثبت الأوس ، فقالوا : يا رسول الله إنهم موالينا دون الخزرج ، وقد فعلت في موالي الخزرج بالأمس ما قد علمت ، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل بني قريظة حاصر بني قينقاع ، وكانوا حلفاء الخزرج ، فنزلوا على حكمه ، فسأله إياهم عبد الله بن أبي بن سلول ، فوهبهم له ؛ فلما كلمته الأوس ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم ؟ " قالوا : بلى ، قال : " فذاك إلى سعد بن معاذ " ، وكان سعد بن معاذ قد جعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خيمة امرأة من أسلم يقال لها رفيدة في مسجده ، كانت تداوي الجرحى ، وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق " اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب " فلما حكمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بني قريظة ، أتاه قومه فاحتملوه على حمار ، وقد وطئوا له بوسادة من أدم ، وكان رجلا جسيما ، ثم أقبلوا معه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهم يقولون : يا أبا عمرو أحسن في مواليك ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولاك ذلك لتحسن فيهم ، فلما أكثروا عليه قال : قد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم ، فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بني عبد الأشهل ، فنعى إليهم رجال بني قريظة قبل أن يصل إليهم سعد بن معاذ ؛ من كلمته التي سمع منه ؛ فلما انتهى سعد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين ، قال : " قوموا إلى سيدكم " فقاموا إليه ، فقالوا : يا أبا عمرو ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولاك مواليك لتحكم فيهم ، فقال سعد : عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ، إن الحكم فيهم كما حكمت ؟ قالوا : نعم ، قال : وعلى من هاهنا ؟ في الناحية التي فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو معرض عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ إجلالا له . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " نعم " ، قال سعد : فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال ، وتقسم الأموال ، وتسبى الذراري والنساء .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة قال : فحدثني محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ، عن علقمة بن وقاص [ ص: 248 ] الليثي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة " ، ثم استنزلوا ، فحبسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دار ابنة الحارث امرأة من بني النجار ، ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى سوق المدينة ، التي هي سوقها اليوم ، فخندق بها خنادق ، ثم بعث إليهم ، فضرب أعناقهم في تلك الخنادق ، يخرج بهم إليه أرسالا وفيهم عدو الله حيي بن أخطب ، وكعب بن أسد رأس القوم ، وهم ستمائة أو سبعمائة ، والمكثر منهم يقول : كانوا من الثمانمائة إلى التسعمائة ، وقد قالوا لكعب بن أسد وهم يذهب بهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسالا يا كعب ، ما ترى ما يصنع بنا ؟ فقال كعب : أفي كل موطن لا تعقلون ؟ ألا ترون الداعي لا ينزع ، وإنه من يذهب به منكم فما يرجع ، هو والله القتل ، فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأتي بحيي بن أخطب عدو الله ، وعليه حلة له فقاحية قد شققها عليه من كل ناحية كموضع الأنملة ، أنملة أنملة ؛ لئلا يسلبها ، مجموعة يداه إلى عنقه بحبل ، فلما نظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أما والله ، ما لمت نفسي في عداوتك ، ولكنه من يخذل الله يخذل ، ثم أقبل على الناس فقال : أيها الناس ، إنه لا بأس بأمر الله ، كتاب الله وقدره ، وملحمة قد كتبت على بني إسرائيل ، ثم جلس فضربت عنقه ، فقال جبل بن جوال الثعلبي :


لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه ولكنه من يخذل الله يخذل     لجاهد حتى أبلغ النفس عذرها
وقلقل يبغي العز كل مقلقل



حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة قال : ثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة ، قالت : لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة ، قالت : والله إنها لعندي تحدث معي وتضحك ظهرا ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقتل رجالهم بالسوق ، إذ هتف هاتف باسمها أين فلانة ؟ قالت : أنا والله . قالت : قلت : ويلك ما لك ؟ قالت : أقتل قلت : ولم ؟ قالت : لحدث أحدثته ، قال : [ ص: 249 ] فانطلق بها ، فضربت عنقها ، فكانت عائشة تقول : ما أنسى عجبي منها ، طيب نفس ، وكثرة ضحك وقد عرفت أنها تقتل .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : ثني زيد بن رومان ( وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم ) والصياصي : الحصون والآطام التي كانوا فيها ( وقذف في قلوبهم الرعب ) .

حدثنا عمرو بن مالك البكري قال : ثنا وكيع بن الجراح ، وحدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبي ، عن ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ( من صياصيهم ) قال : من حصونهم .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( من صياصيهم ) يقول : أنزلهم من صياصيهم ، قال : قصورهم .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( من صياصيهم ) : أي من حصونهم وآطامهم .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم ) قال : الصياصي : حصونهم التي ظنوا أنها مانعتهم من الله تبارك وتعالى ، وأصل الصياصي : جمع صيصة ، يقال : وعنى بها هاهنا : حصونهم ، والعرب تقول لطرف الجبل : صيصة ، ويقال لأصل الشيء : صيصة ، يقال : جز الله صيصة فلان أي : أصله ، ويقال لشوك الحاكة : صياصي ، كما قال الشاعر :


كوقع الصياصي في النسيج الممدد



وهي شوكتا الديك . [ ص: 250 ]

وقوله : ( وقذف في قلوبهم الرعب ) يقول : وألقى في قلوبهم الخوف منكم ( فريقا تقتلون ) يقول : تقتلون منهم جماعة ، وهم الذين قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم حين ظهر عليهم ( وتأسرون فريقا ) يقول : وتأسرون منهم جماعة ، وهم نساؤهم وذراريهم الذين سبوا .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فريقا تقتلون ) الذين ضربت أعناقهم ( وتأسرون فريقا ) الذين سبوا .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : ثني يزيد بن رومان ( فريقا تقتلون وتأسرون فريقا ) أي قتل الرجال وسبي الذراري والنساء ( وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم ) يقول : وملككم بعد مهلكهم أرضهم ، يعني مزارعهم ومغارسهم وديارهم ، يقول : ومساكنهم وأموالهم ، يعني سائر الأموال غير الأرض والدور .

وقوله : ( وأرضا لم تطئوها ) اختلف أهل التأويل فيها ، أي أرض هي ؟ فقال بعضهم : هي الروم وفارس ونحوها من البلاد التي فتحها الله بعد ذلك على المسلمين .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وأرضا لم تطئوها ) قال : قال الحسن : هي الروم وفارس ، وما فتح الله عليهم .

وقال آخرون : هي مكة .

وقال آخرون : بل هي خيبر .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : ثني يزيد بن رومان ( وأرضا لم تطئوها ) قال : خيبر .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وأورثكم أرضهم وديارهم ) قال : قريظة والنضير أهل الكتاب ( وأرضا لم تطئوها ) قال : خيبر .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله - تعالى ذكره - أخبر أنه أورث المؤمنين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرض بني قريظة وديارهم وأموالهم ، وأرضا لم يطئوها يومئذ ولم تكن مكة ولا خيبر ، ولا أرض فارس والروم ولا اليمن ، مما كان وطئوه [ ص: 251 ] يومئذ ، ثم وطئوا ذلك بعد ، وأورثهموه الله ، وذلك كله داخل في قوله ( وأرضا لم تطئوها ) لأنه - تعالى ذكره - لم يخصص من ذلك بعضا دون بعض . ( وكان الله على كل شيء قديرا ) . يقول - تعالى ذكره - : وكان الله على أن أورث المؤمنين ذلك ، وعلى نصره إياهم ، وغير ذلك من الأمور ذا قدرة ، لا يتعذر عليه شيء أراده ، ولا يمتنع عليه فعل شيء حاول فعله .

التالي السابق


الخدمات العلمية