القول في تأويل قوله تعالى : ( ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما ( 31 ) )
يقول - تعالى ذكره - : ومن يطع الله ورسوله منكن ، وتعمل بما أمر الله
[ ص: 256 ] به ؛ (
نؤتها أجرها مرتين ) يقول : يعطها الله ثواب عملها ، مثلي ثواب عمل غيرهن من سائر نساء الناس (
وأعتدنا لها رزقا كريما ) يقول : وأعتدنا لها في الآخرة عيشا هنيئا في الجنة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
ومن يقنت منكن لله ورسوله ) الآية ، يعني من تطع الله ورسوله (
وتعمل صالحا ) ؛ تصوم وتصلي .
حدثني
سلم بن جنادة قال : ثنا
ابن إدريس ، عن
ابن عون قال : سألت
عامرا عن القنوت ، قال : وما هو ؟ قال : قلت (
وقوموا لله قانتين ) قال : مطيعين ، قال : قلت (
ومن يقنت منكن لله ورسوله ) قال : يطعن .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
ومن يقنت منكن لله ورسوله ) أي : من يطع منكن لله ورسوله (
وأعتدنا لها رزقا كريما ) وهي الجنة .
واختلفت القراء في قراءة قوله (
وتعمل صالحا ) فقرأ عامة
قراء الحجاز والبصرة : ( وتعمل ) بالتاء ردا على تأويل " من " إذ جاء بعد قوله ( منكن ) . وحكى بعضهم عن العرب أنها تقول : كم بيع لك جارية ؟ وأنهم إن قدموا الجارية قالوا : كم جارية بيعت لك ؟ فأنثوا الفعل بعد الجارية ، والفعل في الوجهين ل " كم " لا للجارية . وذكر
الفراء أن بعض العرب أنشده :
أيا أم عمرو من يكن عقر داره جواء عدي يأكل الحشرات ويسود من لفح السموم جبينه
ويعرو إن كان ذوي بكرات
[ ص: 257 ]
فقال : وإن كانوا ولم يقل : وإن كان ، وهو لمن فرده على المعنى . وأما أهل
الكوفة ، فقرأت ذلك عامة قرائها : ( ويعمل ) بالياء عطفا على " يقنت " ، إذ كان الجميع على قراءة الياء . والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان ، ولغتان معروفتان في كلام العرب ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، وذلك أن العرب ترد خبر " من " أحيانا على لفظها ، فتوحد وتذكر ، وأحيانا على معناها كما قال جل ثناؤه (
ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون ومنهم من ينظر إليك ) فجمع مرة للمعنى ووحد أخرى للفظ .