[ ص: 53 ] القول في تأويل
قوله تعالى ( قال ومن كفر فأمتعه قليلا )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في قائل هذا القول ، وفي وجه قراءته . فقال بعضهم : قائل هذا القول ربنا تعالى ذكره ، وتأويله على قولهم : قال : ومن كفر فأمتعه قليلا برزقي من الثمرات في الدنيا ، إلى أن يأتيه أجله . وقرأ قائل هذه المقالة ذلك : "فأمتعه قليلا" ، بتشديد "التاء" ورفع "العين" .
ذكر من قال ذلك :
2033 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن
الربيع ، قال : حدثني
أبو العالية ، عن
أبي بن كعب في قوله : "ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار" ، قال هو قول الرب تعالى ذكره .
2034 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة قال : قال
ابن إسحاق : لما قال
إبراهيم : "رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر" ، وعدل الدعوة عمن أبى الله أن يجعل له الولاية ، انقطاعا إلى الله ، ومحبة وفراقا لمن خالف أمره ، وإن كانوا من ذريته ، حين عرف أنه كائن منهم ظالم لا ينال عهده ، بخبره عن ذلك حين أخبره فقال الله : ومن كفر - فإني أرزق البر والفاجر - فأمتعه قليلا .
وقال آخرون : بل قال ذلك
إبراهيم خليل الرحمن ، على وجه المسألة منه ربه أن
[ ص: 54 ] يرزق الكافر أيضا من الثمرات
بالبلد الحرام ، مثل الذي يرزق به المؤمن ويمتعه بذلك قليلا "ثم اضطره إلى عذاب النار" - بتخفيف "التاء" وجزم "العين" ، وفتح "الراء" من اضطره ، وفصل "ثم اضطره" بغير قطع ألفها - على وجه الدعاء من
إبراهيم ربه لهم والمسألة .
ذكر من قال ذلك :
2035 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن
الربيع قال : قال
أبو العالية : كان
ابن عباس يقول : ذلك قول
إبراهيم ، يسأل ربه أن من كفر فأمتعه قليلا .
2036 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن
ليث ، عن
مجاهد : "ومن كفر فأمتعه قليلا" ، يقول : ومن كفر فأرزقه أيضا ، ثم أضطره إلى عذاب النار .
قال
أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندنا والتأويل ، ما قاله
أبي بن كعب وقراءته ، لقيام الحجة بالنقل المستفيض دراية بتصويب ذلك ، وشذوذ ما خالفه من القراءة . وغير جائز الاعتراض بمن كان جائزا عليه في نقله الخطأ والسهو ، على من كان ذلك غير جائز عليه في نقله . وإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل الآية : قال الله : يا
إبراهيم ، قد أجبت دعوتك ، ورزقت مؤمني أهل هذا البلد من الثمرات وكفارهم ، متاعا لهم إلى بلوغ آجالهم ، ثم أضطر كفارهم بعد ذلك إلى النار .
وأما قوله : "فأمتعه قليلا" يعني : فأجعل ما أرزقه من ذلك في حياته
[ ص: 55 ] متاعا يتمتع به إلى وقت مماته .
وإنما قلنا إن ذلك كذلك ، لأن الله تعالى ذكره إنما قال ذلك لإبراهيم ، جوابا لمسألته ما سأل من رزق الثمرات لمؤمني أهل
مكة . فكان معلوما بذلك أن الجواب إنما هو فيما سأله
إبراهيم لا في غيره . وبالذي قلنا في ذلك قال
مجاهد ، وقد ذكرنا الرواية بذلك عنه .
وقال بعضهم : تأويله : فأمتعه بالبقاء في الدنيا .
وقال غيره : فأمتعه قليلا في كفره ما أقام
بمكة ، حتى أبعث
محمدا صلى الله عليه وسلم فيقتله ، إن أقام على كفره ، أو يجليه عنها . وذلك وإن كان وجها يحتمله الكلام ، فإن دليل ظاهر الكلام على خلافه ، لما وصفنا .