القول في تأويل قوله تعالى : (
ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير ( 12 ) )
اختلفت القراء في قراءة قوله (
ولسليمان الريح ) فقرأته عامة قراء الأمصار (
ولسليمان الريح ) بنصب الريح ، بمعنى : ولقد آتينا
داود منا فضلا وسخرنا
لسليمان الريح . وقرأ ذلك
عاصم : (
ولسليمان الريح ) رفعا بحرف الصفة إذ لم يظهر الناصب .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا النصب لإجماع الحجة من القراء عليه .
وقوله (
غدوها شهر ) يقول - تعالى ذكره - : وسخرنا
لسليمان الريح ، غدوها إلى انتصاف النهار مسيرة شهر ، ورواحها من انتصاف النهار إلى الليل مسيرة شهر .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله (
ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر ) قال : تغدو مسيرة شهر وتروح مسيرة شهر قال : مسيرة شهرين في يوم .
[ ص: 363 ] حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
سلمة ، عن
أبي إسحاق ، عن بعض أهل العلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه ، (
ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر ) قال : ذكر لي أن منزلا بناحية
دجلة مكتوب فيه كتاب كتبه بعض صحابة
سليمان ; إما من الجن وإما من الإنس : نحن نزلناه وما بنيناه ، ومبنيا وجدناه ، غدونا من إصطخر فقلناه ، ونحن رائحون منه إن شاء الله فبائتون
بالشام .
حدثنا
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : ، قال
ابن زيد في قوله (
ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر ) قال : كان له مركب من خشب ، وكان فيه ألف ركن ، في كل ركن ألف بيت تركب فيه الجن والإنس ، تحت كل ركن ألف شيطان ، يرفعون ذلك المركب هم والعصار ، فإذا ارتفع أتت الريح رخاء فسارت به وساروا معه ، يقيل عند قوم بينه وبينهم شهر ، ويمسي عند قوم بينه وبينهم شهر ، ولا يدري القوم إلا وقد أظلهم معه الجيوش والجنود .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
أبو عامر قال : ثنا
قرة ، عن
الحسن في قوله (
غدوها شهر ورواحها شهر ) قال : كان يغدو فيقيل في إصطخر ، ثم يروح منها فيكون رواحها بكابل .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
حماد قال : ثنا
قرة ، عن
الحسن بمثله .
وقوله ( وأسلنا له عين القطر ) يقول : وأذبنا له عين النحاس ، وأجريناها له .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وأسلنا له عين القطر )
[ ص: 364 ] عين النحاس كانت
بأرض اليمن ، وإنما ينتفع اليوم بما أخرج الله
لسليمان .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
وأسلنا له عين القطر ) قال : الصفر سال كما يسيل الماء ، يعمل به كما كان يعمل العجين في اللبن .
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله (
وأسلنا له عين القطر ) يقول : النحاس .
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله (
وأسلنا له عين القطر ) يعني : عين النحاس أسيلت .
وقوله (
ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ) يقول - تعالى ذكره - : ومن الجن من يطيعه ويأتمر بأمره وينتهي لنهيه ; فيعمل بين يديه ما يأمره طاعة له بإذن ربه ، يقول : بأمر الله بذلك ، وتسخيره إياه له (
ومن يزغ منهم عن أمرنا ) يقول : ومن يزل ويعدل من الجن عن أمرنا الذي أمرناه من طاعة
سليمان (
نذقه من عذاب السعير ) في الآخرة ، وذلك عذاب نار جهنم الموقدة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، وقوله (
ومن يزغ منهم عن أمرنا ) أي : يعدل منهم عن أمرنا عما أمره به سليمان ( نذقه من عذاب السعير ) .