[ ص: 401 ] القول في تأويل قوله تعالى (
قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين )
يقول - تعالى ذكره - لنبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - : قل يا
محمد لهؤلاء المشركين بربهم الأوثان والأصنام : من يرزقكم من السماوات والأرض بإنزاله الغيث عليكم منها حياة لحروثكم ، وصلاحا لمعايشكم ، وتسخيره الشمس والقمر والنجوم لمنافعكم ، ومنافع أقواتكم ، والأرض بإخراجه منها أقواتكم وأقوات أنعامكم ، وترك الخبر عن جواب القوم استغناء بدلالة الكلام عليه ، ثم ذكره ، وهو : فإن قالوا : لا ندري ، فقل : الذي يرزقكم ذلك الله وإنا أو إياكم أيها القوم لعلى هدى أو في ضلال مبين : يقول : قل لهم : إنا لعلى هدى أو في ضلال ، أو إنكم على ضلال أو هدى .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) قال : قد قال ذلك أصحاب
محمد للمشركين ، والله ما أنا وأنتم على أمر واحد ، إن أحد الفريقين لمهتد .
وقد قال قوم : معنى ذلك : وإنا لعلى هدى وإنكم لفي ضلال مبين .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
إسحاق بن إبراهيم الشهيدي قال : ثنا
عتاب بن بشير ، عن
خصيف ، عن عكرمة ، وزياد في قوله (
وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) قال : إنا لعلى هدى ، وإنكم لفي ضلال مبين .
[ ص: 402 ] واختلف أهل العربية في وجه دخول " أو " في هذا الموضع فقال بعض نحويي
البصرة : ليس ذلك لأنه شك ولكن هذا في كلام العرب على أنه هو المهتدي قال : وقد يقول الرجل لعبده : أحدنا ضارب صاحبه . ولا يكون فيه إشكال على السامع أن المولى هو الضارب .
وقال آخر منهم : معنى ذلك : إنا لعلى هدى ، وإنكم إياكم لفي ضلال مبين ، لأن العرب تضع " أو " في موضع واو الموالاة ، قال
جرير :
أثعلبة الفوارس أو رياحا عدلت بهم طهية والخشابا
قال : يعني : ثعلبة ورياحا قال : وقد تكلم بهذا من لا يشك في دينه ، وقد علموا أنهم على هدى ، وأولئك في ضلال ، فيقال : هذا وإن كان كلاما واحدا على جهة الاستهزاء ، فقال : هذا لهم ، وقال :
فإن يك حبهم رشدا أصبه ولست بمخطئ إن كان غيا
[ ص: 403 ] وقال بعض نحويي
الكوفة : معنى " أو " ومعنى الواو في هذا الموضع في المعنى ، غير أن القرينة على غير ذلك ، لا تكون " أو " بمنزلة الواو ولكنها تكون في الأمر المفوض ، كما تقول : إن شئت فخذ درهما أو اثنين ، فله أن يأخذ اثنين أو واحدا ، وليس له أن يأخذ ثلاثة . قال : وهو في قول من لا يبصر العربية ، ويجعل " أو " بمنزلة الواو ، ويجوز له أن يأخذ ثلاثة ، لأنه في قولهم بمنزلة قولك : خذ درهما أو اثنين قال : والمعنى في ( إنا أو إياكم ) إنا لضالون أو مهتدون ، وإنكم أيضا لضالون وهو يعلم أن رسوله هو المهتدي وأن غيره الضال . قال : وأنت تقول في الكلام للرجل يكذبك : والله إن أحدنا لكاذب ، وأنت تعنيه ، وكذبته تكذيبا غير مكشوف ، وهو في القرآن وكلام العرب كثير ، أن يوجه الكلام إلى أحسن مذاهبه إذا عرف ، كقول القائل لمن قال : والله لقد قدم فلان ، وهو كاذب ، فيقول : قل : إن شاء الله ، أو قل : فيما أظن ، فيكذبه بأحسن تصريح التكذيب . قال : ومن كلام العرب أن يقولوا : قاتله الله ، ثم يستقبح فيقولون : قاتله الله ، وكاتعه الله . قال : ومن ذلك : ويحك وويسك ، إنما هي في معنى ويلك ، إلا أنها دونها . والصواب من القول في ذلك عندي أن ذلك أمر من الله لنبيه بتكذيب من أمره بخطابه بهذا القول بأجمل التكذيب ، كما يقول الرجل لصاحب يخاطبه ،
[ ص: 404 ] وهو يريد تكذيبه في خبر له : أحدنا كاذب ، وقائل ذلك يعني صاحبه لا نفسه ، فلهذا المعنى صير الكلام ب " أو " .