القول في تأويل قوله تعالى : (
وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب ( 54 ) )
[ ص: 430 ]
يقول - تعالى ذكره - : وحيل بين هؤلاء المشركين حين فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب ، فقالوا : آمنا به ( وبين ما يشتهون ) حينئذ من الإيمان بما كانوا به في الدنيا قبل ذلك يكفرون ، ولا سبيل لهم إليه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
إسماعيل بن حفص الأبلي قال : ثنا
المعتمر ، عن
أبي الأشهب ، عن
الحسن في قوله (
وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) قال : حيل بينهم وبين الإيمان بالله .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
مؤمل قال : ثنا
سفيان ، عن
عبد الصمد قال : سمعت
الحسن ، وسئل عن هذه الآية (
وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) قال : حيل بينهم وبين الإيمان .
حدثني
ابن أبي زياد قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
أبو الأشهب ، عن
الحسن (
وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) قال : حيل بينهم وبين الإيمان .
حدثنا
أحمد بن عبد الصمد الأنصاري قال : ثنا
أبو أسامة ، عن
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) قال : من الرجوع إلى الدنيا ليتوبوا .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) كان القوم يشتهون طاعة الله أن يكونوا عملوا بها في الدنيا حين عاينوا ما عاينوا .
حدثنا
الحسن بن واضح قال : ثنا
الحسن بن حبيب قال : ثنا
أبو الأشهب ، عن
الحسن في قوله (
وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) قال : حيل بينهم وبين الإيمان .
وقال آخرون : معنى ذلك وحيل بينهم وبين ما يشتهون من مال وولد
[ ص: 431 ] وزهرة الدنيا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى قال : ثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله (
وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) قال : من مال أو ولد أو زهرة .
حدثني
يونس قال : قال أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) قال : في الدنيا التي كانوا فيها والحياة . وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في ذلك ; لأن القوم إنما تمنوا حين عاينوا من عذاب الله ما عاينوا ، ما أخبر الله عنهم أنهم تمنوه ، وقالوا آمنا به فقال الله : وأنى لهم تناوش ذلك من مكان بعيد ، وقد كفروا من قبل ذلك في الدنيا . فإذا كان ذلك كذلك فلأن يكون قوله (
وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) خبرا عن أنه لا سبيل لهم إلى ما تمنوه أولى من أن يكون خبرا عن غيره .
وقوله (
كما فعل بأشياعهم من قبل ) يقول : فعلنا بهؤلاء المشركين ; فحلنا بينهم وبين ما يشتهون من الإيمان بالله عند نزول سخط الله بهم ، ومعاينتهم بأسه ، كما فعلنا بأشياعهم على كفرهم بالله من قبلهم من كفار الأمم ; فلم نقبل منهم إيمانهم في ذلك الوقت ، كما لم نقبل في مثل ذلك الوقت من ضربائهم .
والأشياع : جمع شيع ، وشيع : جمع شيعة ; فأشياع جمع الجمع .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح [ ص: 432 ] (
كما فعل بأشياعهم من قبل ) قال : الكفار من قبلهم .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
كما فعل بأشياعهم من قبل ) أي : في الدنيا ، كانوا إذا عاينوا العذاب لم يقبل منهم إيمان .
وقوله (
إنهم كانوا في شك مريب ) يقول - تعالى ذكره - : وحيل بين هؤلاء المشركين حين عاينوا بأس الله وبين الإيمان ; إنهم كانوا قبل في الدنيا في شك ، من نزول العذاب الذي نزل بهم وعاينوه ، وقد أخبرهم نبيهم أنهم إن لم ينيبوا مما هم عليه مقيمون من الكفر بالله ، وعبادة الأوثان ، أن الله مهلكهم ، ومحل بهم عقوبته في عاجل الدنيا ، وآجل الآخرة قبل نزوله بهم ، مريب يقول : موجب لصاحبه الذي هو به ما يريبه من مكروه ، من قولهم : قد أراب الرجل إذا أتى ريبة وركب فاحشة ، كما قال الراجز :
يا قوم ما لي وأبا ذؤيب؟ كنت إذا أتوته من غيب يشم عطفي ويبز ثوبي
كأنما أربته بريب
يقول : كأنما أتيت إليه ريبة .
آخر سورة سبإ