القول في تأويل قوله تعالى (
وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ( 128 ) )
قال
أبو جعفر : أما "التوبة" ، فأصلها الأوبة من مكروه إلى محبوب .
فتوبة العبد إلى ربه ، أوبته مما يكرهه الله منه ، بالندم عليه ، والإقلاع عنه ، والعزم على ترك العود فيه . وتوبة الرب على عبده : عوده عليه بالعفو له عن جرمه ، والصفح له عن عقوبة ذنبه ، مغفرة له منه ، وتفضلا عليه .
فإن قال لنا قائل : وهل كان لهما ذنوب فاحتاجا إلى مسألة ربهما التوبة ؟
قيل : إنه ليس أحد من خلق الله ، إلا وله من العمل - فيما بينه وبين ربه - ما يجب عليه الإنابة منه والتوبة . فجائز أن يكون ما كان من قبلهما ما قالا من ذلك ، وإنما خصا به الحال التي كانا عليها ، من رفع قواعد البيت . لأن ذلك كان أحرى الأماكن أن يستجيب الله فيها دعاءهما ، وليجعلا ما فعلا من ذلك سنة يقتدى بها بعدهما ، وتتخذ الناس تلك البقعة بعدهما موضع تنصل من الذنوب إلى الله . وجائز أن يكونا عنيا بقولهما : "وتب علينا" ، وتب على الظلمة من أولادنا وذريتنا - الذين أعلمتنا أمرهم - من ظلمهم وشركهم ، حتى ينيبوا إلى طاعتك . فيكون ظاهر الكلام على الدعاء لأنفسهما ، والمعني به ذريتهما . كما
[ ص: 82 ] يقال : "أكرمني فلان في ولدي وأهلي ، وبرني فلان" ، إذا بر ولده .
وأما قوله : "إنك أنت التواب الرحيم" ، فإنه يعني به : إنك أنت العائد على عبادك بالفضل ، والمتفضل عليهم بالعفو والغفران - الرحيم بهم ، المستنقذ من تشاء منهم برحمتك من هلكته ، المنجي من تريد نجاته منهم برأفتك من سخطك .