القول في تأويل قوله تعالى : (
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا ( 42 )
استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ( 43 ) )
يقول - تعالى ذكره - : وأقسم هؤلاء المشركون بالله جهد أيمانهم ، يقول : أشد الأيمان فبالغوا فيها ، لئن جاءهم من الله منذر ينذرهم بأس الله (
ليكونن أهدى من إحدى الأمم ) يقول : ليكونن أسلك لطريق الحق وأشد قبولا لما يأتيهم به النذير من عند الله ، من إحدى الأمم التي خلت من قبلهم (
فلما جاءهم نذير )
[ ص: 483 ] يعني بالنذير
محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : فلما جاءهم محمد ينذرهم عقاب الله على كفرهم .
كما حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله (
فلما جاءهم نذير ) وهو
محمد - صلى الله عليه وسلم - .
وقوله (
ما زادهم إلا نفورا ) يقول : ما زادهم مجيء النذير من الإيمان بالله واتباع الحق وسلوك هدى الطريق ، إلا نفورا وهربا .
وقوله (
استكبارا في الأرض ) يقول : نفروا استكبارا في الأرض وخدعة سيئة ، وذلك أنهم صدوا الضعفاء عن اتباعه مع كفرهم به . والمكر هاهنا : هو الشرك .
كما حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ( ومكر السيئ ) وهو الشرك . وأضيف المكر إلى السيئ ، والسيئ من نعت المكر كما قيل (
إن هذا لهو حق اليقين ) وقيل : إن ذلك في قراءة
عبد الله ( ومكرا سيئا ) ، وفي ذلك تحقيق القول الذي قلناه من أن السيئ في المعنى من نعت المكر . وقرأ ذلك قراء الأمصار غير
الأعمش ، وحمزة ، بهمزة محركة بالخفض . وقرأ ذلك
الأعمش ، وحمزة بهمزة وتسكين الهمزة اعتلالا منهما بأن الحركات لما كثرت في ذلك ثقل ، فسكنا الهمزة ، كما قال الشاعر :
إذا اعوججن قلت صاحب قوم
فسكن الباء لكثرة الحركات .
[ ص: 484 ] والصواب من القراءة ما عليه قراء الأمصار من تحريك الهمزة فيه إلى الخفض وغير جائز في القرآن أن يقرأ بكل ما جاز في العربية ; لأن القراءة إنما هي ما قرأت به الأئمة الماضية ، وجاء به السلف على النحو الذي أخذوا عمن قبلهم .
وقوله (
ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ) يقول : ولا ينزل المكر السيئ إلا بأهله ، يعني بالذين يمكرونه ، وإنما عنى أنه لا يحل مكروه ذلك المكر الذي مكره هؤلاء المشركون إلا بهم .
وقال
قتادة في ذلك ما حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ) وهو الشرك .
وقوله (
فهل ينظرون إلا سنة الأولين ) يقول - تعالى ذكره - : فهل ينتظر هؤلاء المشركون من قومك يا
محمد إلا سنة الله بهم في عاجل الدنيا على كفرهم به أليم العقاب ، يقول : فهل ينتظر هؤلاء إلا أن أحل بهم من نقمتي على شركهم بي وتكذيبهم رسولي مثل الذي أحللت بمن قبلهم من أشكالهم من الأمم .
كما حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله (
فهل ينظرون إلا سنة الأولين ) أي : عقوبة الأولين (
فلن تجد لسنة الله تبديلا ) يقول : فلن تجد يا
محمد لسنة الله تغييرا .
وقوله (
ولن تجد لسنة الله تحويلا ) يقول : ولن تجد لسنة الله في خلقه تبديلا يقول : لن يغير ذلك ولا يبدله ; لأنه لا مرد لقضائه .