[ ص: 510 ] القول في تأويل قوله تعالى : (
وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين ( 28 )
إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ( 29 ) )
يقول - تعالى ذكره - : وما أنزلنا على قوم هذا
المؤمن الذي قتله قومه لدعائه إياهم إلى الله ونصيحته لهم ( من بعده ) يعني : من بعد مهلكه (
من جند من السماء ) .
واختلف أهل التأويل في معنى الجند الذي أخبر الله أنه لم ينزل إلى قوم هذا المؤمن بعد قتلهموه فقال بعضهم : عني بذلك أنه لم ينزل الله بعد ذلك إليهم رسالة ، ولا بعث إليهم نبيا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله (
من جند من السماء ) قال : رسالة .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
حكام ، عن
عنبسة ، عن
محمد بن عبد الرحمن ، عن
القاسم بن أبي بزة عن
مجاهد ، مثله .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين ) قال : فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله (
إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ) .
وقال آخرون : بل عني بذلك أن الله - تعالى ذكره - لم يبعث لهم جنودا يقاتلهم بها ، ولكنه أهلكهم بصيحة واحدة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
سلمة قال : ثني
ابن إسحاق ، عن بعض أصحابه ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود قال : غضب الله له ، يعني لهذا المؤمن ،
[ ص: 511 ] لاستضعافهم إياه غضبة لم تبق من القوم شيئا ، فعجل لهم النقمة بما استحلوا منه ، وقال : (
وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين ) يقول : ما كاثرناهم بالجموع أي الأمر أيسر علينا من ذلك (
إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ) فأهلك الله ذلك الملك وأهل
أنطاكية ، فبادوا عن وجه الأرض ، فلم تبق منهم باقية .
وهذا القول الثاني أولى القولين بتأويل الآية ، وذلك أن الرسالة لا يقال لها جند إلا أن يكون أراد
مجاهد بذلك الرسل ، فيكون وجها ، وإن كان أيضا من المفهوم بظاهر الآية بعيدا ، وذلك أن الرسل من بني آدم لا ينزلون من السماء ، والخبر في ظاهر هذه الآية عن أنه لم ينزل من السماء بعد مهلك هذا المؤمن على قومه جندا وذلك بالملائكة أشبه منه ببني
آدم .
وقوله (
إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ) يقول : ما كانت هلكتهم إلا صيحة واحدة أنزلها الله من السماء عليهم .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار (
إن كانت إلا صيحة واحدة ) نصبا على التأويل الذي ذكرت ، وأن في كانت مضمرا وذكر عن
أبي جعفر المدني أنه قرأه ( إلا صيحة واحدة ) رفعا على أنها مرفوعة بكان ، ولا مضمر في كان .
والصواب من القراءة في ذلك عندي النصب لإجماع الحجة على ذلك ، وعلى أن في كانت مضمرا .
وقوله ( فإذا هم خامدون ) يقول : فإذا هم هالكون .