القول في تأويل قوله تعالى : (
هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون ( 56 )
لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون ( 57 )
سلام قولا من رب رحيم ( 58 ) )
يعني تعالى بقوله ( هم ) أصحاب الجنة ( وأزواجهم ) من أهل الجنة في الجنة .
[ ص: 538 ] كما حدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله (
هم وأزواجهم في ظلال ) قال : حلائلهم في ظلل .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأه بعضهم : ( في ظلل ) بمعنى : جمع ظلة ، كما تجمع الحلة حللا . وقرأه آخرون ( في ظلال ) ; وإذا قرئ ذلك كذلك كان له وجهان : أحدهما أن يكون مرادا به جمع الظلل الذي هو بمعنى الكن ، فيكون معنى الكلمة حينئذ : هم وأزواجهم في كن لا يضحون لشمس كما يضحى لها أهل الدنيا ، لأنه لا شمس فيها . والآخر : أن يكون مرادا به جمع ظلة ، فيكون وجه جمعها كذلك نظير جمعهم الخلة في الكثرة : الخلال ، والقلة : قلال .
وقوله (
على الأرائك متكئون ) والأرائك : هي الحجال فيها السرر والفرش : واحدتها أريكة ، وكان بعضهم يزعم أن كل فراش أريكة ، ويستشهد لقوله ذلك بقول
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذي الرمة :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . كأنما يباشرن بالمعزاء مس الأرائك
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يعقوب قال : ثنا
هشيم قال : أخبرنا
حصين ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس في قوله (
على الأرائك متكئون ) قال : هي السرر في الحجال .
[ ص: 539 ] حدثنا
هناد قال : ثنا
أبو الأحوص ، عن
حصين ، عن
مجاهد في قول الله (
على الأرائك متكئون ) قال : الأرائك : السرر عليها الحجال .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
مؤمل قال : ثنا
سفيان قال : ثنا
حصين ، عن
مجاهد في قوله (
متكئين فيها على الأرائك ) قال : الأرائك : السرر في الحجال .
حدثنا
أبو السائب قال : ثنا
ابن إدريس قال : أخبرنا
حصين ، عن
مجاهد في قوله ( على الأرائك ) قال : سرر عليها الحجال .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
المعتمر ، عن أبيه قال : زعم
محمد أن
عكرمة قال : الأرائك : السرر في الحجال .
حدثني
يعقوب قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
أبي رجاء قال : سمعت
الحسن ، وسأله رجل عن الأرائك قال : هي الحجال . أهل
اليمن يقولون : أريكة فلان . وسمعت
عكرمة وسئل عنها فقال : هي الحجال على السرر .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
على الأرائك متكئون ) قال : هي الحجال فيها السرر .
وقوله (
لهم فيها فاكهة ) يقول لهؤلاء الذين ذكرهم تبارك وتعالى من أهل الجنة في الجنة فاكهة (
ولهم ما يدعون ) يقول : ولهم فيها ما يتمنون . وذكر عن العرب أنها تقول : دع علي ما شئت أي : تمن علي ما شئت .
وقوله (
سلام قولا من رب رحيم ) في رفع " سلام " وجهان في قول بعض نحويي
الكوفة ; أحدهما : أن يكون خبرا لما يدعون ، فيكون معنى الكلام : ولهم ما يدعون مسلم لهم خالص . وإذا وجه معنى الكلام إلى ذلك كان القول حينئذ منصوبا توكيدا خارجا من السلام ، كأنه قيل : ولهم فيها ما يدعون مسلم خالص حقا ، كأنه قيل : قاله قولا . والوجه الثاني : أن يكون قوله ( سلام ) مرفوعا على المدح ، بمعنى : هو سلام لهم قولا من الله . وقد ذكر أنها في قراءة
عبد الله :
[ ص: 540 ] ( سلاما قولا ) على أن الخبر متناه عند قوله ( ولهم ما يدعون ) ثم نصب سلاما على التوكيد ، بمعنى : مسلما قولا . وكان بعض نحويي
البصرة يقول : انتصب قولا على البدل من اللفظ بالفعل ، كأنه قال : أقول ذلك قولا . قال : ومن نصبها نصبها على خبر المعرفة على قوله ( ولهم ) فيها ( ما يدعون ) .
والذي هو أولى بالصواب على ما جاء به الخبر عن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي ، أن يكون ( سلام ) خبرا لقوله (
ولهم ما يدعون ) فيكون معنى ذلك : ولهم فيها ما يدعون ، وذلك هو سلام من الله عليهم ، بمعنى : تسليم من الله ، ويكون قولا ترجمة ما يدعون ، ويكون القول خارجا من قوله : سلام .
وإنما قلت ذلك أولى بالصواب لما حدثنا به
إبراهيم بن سعيد الجوهري قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12067أبو عبد الرحمن المقري ، عن
حرملة ، عن
سليمان بن حميد قال : سمعت
محمد بن كعب ، يحدث
عمر بن عبد العزيز قال : إذا فرغ الله من أهل الجنة وأهل النار ، أقبل يمشي في ظلل من الغمام والملائكة ، فيقف على أول أهل درجة ، فيسلم عليهم ، فيردون عليه السلام ، وهو في القرآن (
سلام قولا من رب رحيم ) فيقول : سلوا ، فيقولون : ما نسألك وعزتك وجلالك ، لو أنك قسمت بيننا أرزاق الثقلين لأطعمناهم وسقيناهم وكسوناهم ، فيقول : سلوا ، فيقولون : نسألك رضاك ، فيقول : رضائي أحلكم دار كرامتي ، فيفعل ذلك بأهل كل درجة حتى ينتهي قال : ولو أن امرأة من الحور العين طلعت لأطفأ ضوء سواريها الشمس والقمر ، فكيف بالمسورة " .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : ثنا
حرملة ، عن
سليمان بن حميد قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي يحدث
عمر بن عبد العزيز قال : إذا فرغ الله من أهل الجنة وأهل النار ، أقبل في ظلل من الغمام والملائكة قال : فيسلم على أهل الجنة ، فيردون عليه السلام ، قال القرظي : وهذا في كتاب الله (
سلام قولا من رب رحيم ) ؟ فيقول : سلوني ، فيقولون : ماذا نسألك ، أي رب؟ قال : بل سلوني قالوا : نسألك أي رب رضاك قال : رضائي أحلكم
[ ص: 541 ] دار كرامتي ، قالوا : يا رب وما الذي نسألك! فوعزتك وجلالك ، وارتفاع مكانك ، لو قسمت علينا رزق الثقلين لأطعمناهم ، ولأسقيناهم ، ولألبسناهم ولأخدمناهم ، لا ينقصنا ذلك شيئا قال : إن لدي مزيدا قال : فيفعل الله ذلك بهم في درجتهم حتى يستوي في مجلسه قال : ثم تأتيهم التحف من الله تحملها إليهم الملائكة . ثم ذكر نحوه .
حدثنا
ابن سنان القزاز قال : ثنا
أبو عبد الرحمن قال : ثنا
حرملة قال : ثنا
سليمان بن حميد ، أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي يحدث
عمر بن عبد العزيز قال : إذا فرغ الله من أهل الجنة وأهل النار ، أقبل يمشي في ظلل من الغمام ويقف قال : ثم ذكر نحوه ، إلا أنه قال : فيقولون : فماذا نسألك يا رب ، فوعزتك وجلالك وارتفاع مكانك ، لو أنك قسمت علينا أرزاق الثقلين ، الجن والإنس ، لأطعمناهم ، ولسقيناهم ، ولأخدمناهم ، من غير أن ينتقص ذلك شيئا مما عندنا قال : بلى فسلوني ، قالوا : نسألك رضاك قال : رضائي أحلكم دار كرامتي ، فيفعل هذا بأهل كل درجة ، حتى ينتهي إلى مجلسه . وسائر الحديث مثله " . فهذا القول الذي قاله
محمد بن كعب ، ينبئ عن أن " سلام " بيان عن قوله ( ما يدعون ) ، وأن القول خارج من السلام . وقوله ( من رب رحيم ) يعني : رحيم بهم إذ لم يعاقبهم بما سلف لهم من جرم في الدنيا .