القول في تأويل قوله تعالى : (
لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون ( 75 )
فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون ( 76 ) )
يقول - تعالى ذكره - : لا تستطيع هذه الآلهة نصرهم من الله إن أراد بهم سوءا ، ولا تدفع عنهم ضرا .
وقوله (
وهم لهم جند محضرون ) يقول : وهؤلاء المشركون لآلهتهم جند محضرون .
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( محضرون ) وأين حضورهم إياهم . فقال بعضهم : عنى بذلك وهم لهم جند محضرون عند الحساب .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله (
وهم لهم جند محضرون ) قال : عند الحساب .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وهم لهم جند محضرون في الدنيا يغضبون لهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
لا يستطيعون نصرهم ) الآلهة (
وهم لهم جند محضرون ) والمشركون يغضبون للآلهة في الدنيا ، وهي لا تسوق إليهم خيرا ، ولا تدفع عنهم سوءا ، إنما هي أصنام .
[ ص: 553 ] وهذا الذي قاله
قتادة أولى القولين عندنا بالصواب في تأويل ذلك ؛ لأن المشركين عند الحساب تتبرأ منهم الأصنام ، وما كانوا يعبدونه ، فكيف يكونون لها جندا حينئذ ، ولكنهم في الدنيا لهم جند يغضبون لهم ، ويقاتلون دونهم .
وقوله تعالى
( فلا يحزنك قولهم ) يقول - تعالى ذكره - لنبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - : فلا يحزنك يا
محمد قول هؤلاء المشركين بالله من قومك لك : إنك شاعر ، وما جئتنا به شعر ، ولا تكذيبهم بآيات الله وجحودهم نبوتك .
وقوله (
إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون ) يقول - تعالى ذكره - : إنا نعلم أن الذي يدعوهم إلى قيل ذلك الحسد ، وهم يعلمون أن الذي جئتهم به ليس بشعر ، ولا يشبه الشعر ، وأنك لست بكذاب ، فنعلم ما يسرون من معرفتهم بحقيقة ما تدعوهم إليه ، وما يعلنون من جحودهم ذلك بألسنتهم علانية .