القول في تأويل قوله تعالى : (
الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون ( 80 )
أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم ( 81 ) )
يقول - تعالى ذكره - : قل يحييها الذي أنشأها أول مرة (
الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا )
[ ص: 556 ] يقول : الذي أخرج لكم من الشجر الأخضر نارا تحرق الشجر ، لا يمتنع عليه فعل ما أراد ، ولا يعجز عن إحياء العظام التي قد رمت ، وإعادتها بشرا سويا ، وخلقا جديدا ، كما بدأها أول مرة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا ) يقول : الذي أخرج هذه النار من هذا الشجر قادر أن يبعثه .
قوله (
فإذا أنتم منه توقدون ) يقول : فإذا أنتم من هذا الشجر توقدون النار . وقال ) منه ) والهاء من ذكر الشجر ، ولم يقل : منها ، والشجر جمع شجرة ؛ لأنه خرج مخرج الثمر والحصى . ولو قيل : منها كان صوابا أيضا ؛ لأن العرب تذكر مثل هذا وتؤنثه .
وقوله (
أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ) يقول - تعالى ذكره - منبها هذا الكافر الذي قال (
من يحيي العظام وهي رميم ) على خطإ قوله ، وعظيم جهله (
أوليس الذي خلق السماوات ) السبع (
والأرض بقادر على أن يخلق ) مثلكم ؟ ! فإن خلق مثلكم من العظام الرميم ليس بأعظم من خلق السماوات والأرض . يقول : فمن لم يتعذر عليه خلق ما هو أعظم من خلقكم ، فكيف يتعذر عليه إحياء العظام بعد ما قد رمت وبليت ؟ ! . وقوله (
بلى وهو الخلاق العليم ) يقول : بلى هو قادر على أن يخلق مثلهم وهو الخلاق لما يشاء ، الفعال لما يريد ، العليم بكل ما خلق ويخلق ، لا يخفى عليه خافية .