القول في تأويل قوله تعالى : (
فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب ( 11 )
بل عجبت ويسخرون ( 12 ) )
يقول - تعالى ذكره - لنبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - : فاستفت يا
محمد هؤلاء المشركين الذي ينكرون البعث بعد الممات والنشور بعد البلاء : يقول : فسلهم : أهم أشد خلقا ؟ يقول : أخلقهم أشد أم خلق من عددنا خلقه من الملائكة والشياطين والسماوات والأرض ؟
وذكر أن ذلك في قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود : " أهم أشد خلقا أم من عددنا " ؟
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
أهم أشد خلقا أم من خلقنا ) ؟ قال : السماوات والأرض والجبال .
[ ص: 20 ] حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح ، قال : ثنا
عبيد بن سليمان ، عن
الضحاك أنه قرأ " أهم أشد خلقا أم من عددنا " ؟ وفي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود " عددنا " يقول : (
رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق ) يقول : أهم أشد خلقا ، أم السماوات والأرض ؟ يقول : السماوات والأرض أشد خلقا منهم .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من ) عددنا " من خلق السماوات والأرض ، قال الله : (
لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ) . . . الآية .
حدثنا
محمد بن الحسين قال : ثنا
أحمد بن المفضل قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي (
فاستفتهم أهم أشد خلقا ) قال : يعني المشركين ، سلهم أهم أشد خلقا (
أم من خلقنا )
وقوله (
إنا خلقناهم من طين لازب ) يقول : إنا خلقناهم من طين لاصق . وإنما وصفه - جل ثناؤه - باللزوب ، لأنه تراب مخلوط بماء ، وكذلك خلق ابن آدم من تراب وماء ونار وهواء ، والتراب إذا خلط بماء صار طينا لازبا ، والعرب تبدل أحيانا هذه الباء ميما ، فتقول : طين لازم ، ومنه قول
النجاشي الحارثي :
بنى اللؤم بيتا فاستقرت عماده عليكم بني النجار ضربة لازم
ومن اللازب قول
نابغة بني ذبيان :
ولا يحسبون الخير لا شر بعده ولا يحسبون الشر ضربة لازب
[ ص: 21 ] وربما أبدلوا الزاي التي في اللازب تاء ، فيقولون : طين لاتب ، وذكر أن ذلك في
قيس زعم
الفراء أن
أبا الجراح أنشده :
صداع وتوصيم العظام وفترة وغثي مع الإشراق في الجوف لاتب
بمعنى : لازم ، والفعل من لازب : لزب يلزب ، لزبا ولزوبا وكذلك من لاتب : لتب يلتب لتوبا .
وبنحو الذي قلنا في معنى ( لازب ) قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
عبيد الله بن يوسف الجبيري قال : ثنا
محمد بن كثير قال : ثنا
مسلم ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس في قوله (
من طين لازب ) قال : هو الطين الحر الجيد اللزج .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : ثنا
يحيى بن سعيد وعبد الرحمن ، قالا ثنا
سفيان ، عن
الأعمش ، عن
مسلم البطين ، عن
سعيد ، عن
ابن عباس قال : اللازب : الجيد .
[ ص: 22 ] حدثنا
أبو كريب قال : ثنا
عثمان بن سعيد قال : ثنا
بشر بن عمارة ، عن
أبي روق ، عن
الضحاك ، عن
ابن عباس قال : اللازب : اللزج الطيب .
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، في قوله (
من طين لازب ) يقول : ملتصق .
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله (
إنا خلقناهم من طين لازب ) قال : من التراب والماء فيصير طينا يلزق .
حدثنا
هناد قال : ثنا
أبو الأحوص ، عن
سماك ، عن
عكرمة ، في قوله (
إنا خلقناهم من طين لازب ) قال : اللازب : اللزج .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح قال : ثنا
عبيد بن سليمان ، عن
الضحاك (
إنا خلقناهم من طين لازب ) واللازب : الطين الجيد .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قال الله (
إنا خلقناهم من طين لازب ) واللازب : الذي يلزق باليد .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قوله (
من طين لازب ) قال : لازم .
حدثنا
عمرو بن عبد الحميد الآملي قال : ثنا
مروان بن معاوية قال : ثنا
جويبر ، عن
الضحاك ، في قوله (
من طين لازب ) قال : هو اللازق .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
إنا خلقناهم من طين لازب ) قال : اللازب : الذي يلتصق كأنه غراء ، ذلك اللازب .
قوله
( بل عجبت ويسخرون ) اختلفت القراء فى قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء
الكوفة : (
بل عجبت ويسخرون ) بضم التاء من عجبت ، بمعنى : بل عظم
[ ص: 23 ] عندي وكبر اتخاذهم لي شريكا ، وتكذيبهم تنزيلي وهم يسخرون . وقرأ ذلك عامة قراء
المدينة والبصرة وبعض قراء
الكوفة ( بل عجبت ) بفتح التاء بمعنى : بل عجبت أنت يا
محمد ويسخرون من هذا القرآن .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان مشهورتان في قراء الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
فإن قال قائل : وكيف يكون مصيبا القارئ بهما مع اختلاف معنييهما ؟ قيل : إنهما وإن اختلف معنياهما فكل واحد من معنييه صحيح ، قد عجب
محمد مما أعطاه الله من الفضل ، وسخر منه أهل الشرك بالله ، وقد عجب ربنا من عظيم ما قاله المشركون في الله ، وسخر المشركون بما قالوه .
فإن قال : أكان التنزيل بإحداهما أو بكلتيهما ؟ قيل : التنزيل بكلتيهما . فإن قال : وكيف يكون تنزيل حرف مرتين ؟ قيل : إنه لم ينزل مرتين ، إنما أنزل مرة ، ولكنه أمر - صلى الله عليه وسلم - أن يقرأ بالقراءتين كلتيهما ، ولهذا موضع سنستقصي إن شاء الله فيه البيان عنه بما فيه الكفاية .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
بل عجبت ويسخرون ) قال : عجب
محمد عليه الصلاة والسلام من هذا القرآن حين أعطيه ، وسخر منه أهل الضلالة .