القول في تأويل قوله تعالى : (
فراغ عليهم ضربا باليمين ( 93 )
فأقبلوا إليه يزفون ( 94 )
قال أتعبدون ما تنحتون ( 95 )
والله خلقكم وما تعملون ( 96 ) )
[ ص: 67 ] يقول - تعالى ذكره - : فمال على آلهة قومه ضربا لها باليمين بفأس في يده يكسرهن .
كما حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قال : لما خلا جعل يضرب آلهتهم باليمين
حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد قال : سمعت
الضحاك ، فذكر مثله .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
فراغ عليهم ضربا باليمين ) فأقبل عليهم يكسرهم .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق : ثم أقبل عليهم كما قال الله ضربا باليمين ، ثم جعل يكسرهن بفأس في يده
وكان بعض أهل العربية يتأول ذلك بمعنى : فراغ عليهم ضربا بالقوة والقدرة ، ويقول : اليمين في هذا الموضع القوة . وبعضهم كان يتأول اليمين في هذا الموضع : الحلف ، ويقول : جعل يضربهن باليمين التي حلف بها بقوله (
وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين ) وذكر أن ذلك في قراءة
عبد الله : " فراغ عليهم صفقا باليمين " . وروي نحو ذلك عن
الحسن .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح قال : ثنا
خالد بن عبد الله الجشمي قال : سمعت
الحسن قرأ : " فراغ عليهم صفقا باليمين " : أي ضربا باليمين .
وقوله (
فأقبلوا إليه يزفون ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء
المدينة والبصرة ، وبعض قراء
الكوفة : (
فأقبلوا إليه يزفون ) بفتح الياء وتشديد الفاء من قولهم : زفت النعامة ، وذلك أول عدوها ، وآخر مشيها ، ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق :
[ ص: 68 ] وجاء قريع الشول قبل إفالها يزف وجاءت خلفه وهي زفف
.
وقرأ ذلك جماعة من
أهل الكوفة : " يزفون " بضم الياء وتشديد الفاء من أزف فهو يزف . وكان
الفراء يزعم أنه لم يسمع في ذلك إلا زففت ، ويقول : لعل قراءة من قرأه : " يزفون " بضم الياء من قول العرب : أطردت الرجل : أي صيرته طريدا ، وطردته : إذا أنت خسأته إذا قلت : اذهب عنا ، فيكون يزفون : أي جاءوا على هذه الهيئة بمنزلة المزفوفة على هذه الحالة ، فتدخل الألف . كما تقول : أحمدت الرجل : إذا أظهرت حمده ، وهو
محمد : إذا رأيت أمره إلى الحمد ، ولم تنشر حمده قال : وأنشدني المفضل :
تمنى حصين أن يسود جذاعه فأمسى حصين قد أذل وأقهرا
[ ص: 69 ] فقال : أقهر ، وإنما هو قهر ، ولكنه أراد صار إلى حال قهر . وقرأ ذلك بعضهم " يزفون " بفتح الياء وتخفيف الفاء من وزف يزف وذكر عن
الكسائي أنه لا يعرفها ، وقال
الفراء : لا أعرفها إلا أن تكون لغة لم أسمعها . وذكر عن
مجاهد أنه كان يقول : الوزف : النسلان .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله " إليه يزفون " قال : الوزيف : النسلان .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأه بفتح الياء وتشديد الفاء ، لأن ذلك هو الصحيح المعروف من كلام العرب ، والذي عليه قراءة الفصحاء من القراء .
وقد اختلف أهل التأويل في معناه ، فقال بعضهم : معناه : فأقبل قوم
إبراهيم إلى
إبراهيم يجرون .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله (
فأقبلوا إليه يزفون ) : فأقبلوا إليه يجرون .
وقال آخرون : أقبلوا إليه يمشون .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
محمد بن الحسين قال : ثنا
أحمد بن المفضل قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، في قوله (
فأقبلوا إليه يزفون ) قال : يمشون .
وقال آخرون : معناه : فأقبلوا يستعجلون .
ذكر من قال ذلك :
[ ص: 70 ] حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد ، عن أبيه (
فأقبلوا إليه يزفون ) قال : يستعجلون قال : يزف : يستعجل .
وقوله (
قال أتعبدون ما تنحتون ) يقول - تعالى ذكره - : قال
إبراهيم لقومه : أتعبدون أيها القوم ما تنحتون بأيديكم من الأصنام .
كما حدثني
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
قال أتعبدون ما تنحتون ) الأصنام .
وقوله (
والله خلقكم وما تعملون ) يقول - تعالى ذكره - مخبرا عن قيل
إبراهيم لقومه : والله خلقكم أيها القوم وما تعملون . وفي قوله ( وما تعملون ) وجهان : أحدهما : أن يكون قوله " ما " بمعنى المصدر ، فيكون معنى الكلام حينئذ : والله خلقكم وعملكم .
والآخر أن يكون بمعنى " الذي " ، فيكون معنى الكلام عند ذلك : والله خلقكم والذي تعملونه : أي والذي تعملون منه الأصنام ، وهو الخشب والنحاس والأشياء التي كانوا ينحتون منها أصنامهم .
وهذا المعنى الثاني قصد - إن شاء الله -
قتادة بقوله الذي حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة : (
والله خلقكم وما تعملون ) : بأيديكم