القول في تأويل قوله تعالى : (
فلولا أنه كان من المسبحين ( 143 )
للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ( 144 )
فنبذناه بالعراء وهو سقيم ( 145 )
وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ( 146 ) )
يقول - تعالى ذكره - : ( فلولا أنه ) يعني
يونس ( كان من ) المصلين لله قبل البلاء الذي ابتلي به من العقوبة بالحبس في بطن الحوت (
للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ) يقول : لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة ، يوم يبعث الله فيه خلقه - محبوسا ، ولكنه كان من الذاكرين الله قبل البلاء ، فذكره الله في حال البلاء ، فأنقذه ونجاه .
وقد اختلف أهل التأويل في وقت تسبيح
يونس الذي ذكره الله به ، فقال (
فلولا أنه كان من المسبحين ) فقال بعضهم نحو الذي قلنا في ذلك ، وقالوا مثل قولنا في معنى قوله ( من المسبحين )
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
فلولا أنه كان من المسبحين ) كان كثير الصلاة في الرخاء ، فنجاه الله بذلك قال : وقد كان يقال في الحكمة : إن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا ما عثر ، فإذا صرع وجد متكأ .
حدثني
يعقوب قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن بعض أصحابه ، عن
قتادة ، [ ص: 109 ] في قوله (
فلولا أنه كان من المسبحين ) قال : كان طويل الصلاة في الرخاء قال : وإن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر ، إذا صرع وجد متكئا .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : ثنا
أبو النضر ، أن
يزيد الرقاشي ، حدثه قال : سمعت
أنس بن مالك قال : ولا أعلم إلا أن
أنسا يرفع الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
أن يونس النبي حين بدا له أن يدعو الله بالكلمات حين ناداه وهو في بطن الحوت ، فقال : اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، فأقبلت الدعوة تحت العرش ، فقالت الملائكة : يا رب هذا صوت ضعيف معروف في بلاد غريبة قال : أما تعرفون ذلك ؟ قالوا يا رب ومن هو ؟ قال : ذلك عبدي يونس ، قالوا : عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل ودعوة مستجابة ، قالوا : يا رب أولا يرحم بما كان يصنع في الرخاء فتنجيه من البلاء ؟ قال : بلى ، فأمر الحوت فطرحه بالعراء " .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
عبد الرحمن قال : ثنا
سفيان ، عن
عاصم ، عن
أبي رزين ، عن
ابن عباس (
فلولا أنه كان من المسبحين ) قال : من المصلين .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
عبد الرحمن قال : ثنا
سفيان ، عن
أبي الهيثم ، عن
سعيد بن جبير (
فلولا أنه كان من المسبحين ) قال : من المصلين .
حدثنا
أبو كريب قال : ثنا
ابن يمان ، عن
أبي جعفر ، عن
الربيع بن أنس ، عن
أبي العالية (
فلولا أنه كان من المسبحين ) قال : كان له عمل صالح فيما خلا .
حدثنا
محمد بن الحسين قال : ثنا
أحمد بن المفضل قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، في قوله (
من المسبحين ) قال : المصلين .
[ ص: 110 ] حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا
كثير بن هشام قال : ثنا
جعفر قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17188ميمون بن مهران قال : سمعت
الضحاك بن قيس يقول على منبره : اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة ، إن
يونس كان عبدا لله ذاكرا ، فلما أصابته الشدة دعا الله فقال الله : ( لولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ) فذكره الله بما كان منه ، وكان فرعون طاغيا باغيا فلما أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين (
آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ) قال
الضحاك : فاذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة .
قال
أبو جعفر : وقيل : إنما أحدث الصلاة التي أخبر الله عنه بها ، فقال : (
فلولا أنه كان من المسبحين ) في بطن الحوت .
وقال بعضهم : كان ذلك تسبيحا ، لا صلاة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
أبو داود قال : ثنا
عمران القطان قال : سمعت
الحسن يقول في قوله (
فلولا أنه كان من المسبحين ) قال : فوالله ما كانت إلا صلاة أحدثها في بطن الحوت ، قال
عمران : فذكرت ذلك
لقتادة ، فأنكر ذلك وقال : كان والله يكثر الصلاة في الرخاء .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
حكام ، عن
عنبسة ، عن
المغيرة بن النعمان ، عن
سعيد بن جبير : (
فالتقمه الحوت وهو مليم ) قال : قال (
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) فلما قالها ، قذفه الحوت ، وهو مغرب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله (
للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ) : لصار له بطن الحوت قبرا إلى يوم القيامة .
[ ص: 111 ] حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
عبد الرحمن قال : ثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن
أبي مالك قال : لبث
يونس في بطن الحوت أربعين يوما .
وقوله (
فنبذناه بالعراء ) يقول : فقذفناه بالفضاء من الأرض ، حيث لا يواريه شيء من شجر ولا غيره ، ومنه قول الشاعر :
ورفعت رجلا لا أخاف عثارها ونبذت بالبلد العراء ثيابي
يعني بالبلد : الفضاء .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي قال : ثني
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله (
فنبذناه بالعراء ) يقول : ألقيناه بالساحل .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
فنبذناه بالعراء ) بأرض ليس فيها شيء ولا نبات .
حدثنا
محمد بن الحسين قال : ثنا
أحمد بن المفضل قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، في قوله ( بالعراء ) قال : بالأرض . وقوله ( وهو سقيم ) يقول : وهو كالصبي المنفوس : لحم نيء .
كما حدثنا
محمد بن الحسين قال : ثنا
أحمد قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ( وهو سقيم ) كهيئة الصبي .
[ ص: 112 ] حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
يزيد بن زياد ، عن
عبد الله بن أبي سلمة ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال : خرج به ، يعني الحوت ، حتى لفظه في ساحل البحر ، فطرحه مثل الصبي المنفوس ، لم ينقص من خلقه شيء .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد : ما لفظه الحوت حتى صار مثل الصبي المنفوس ، قد نشر اللحم والعظم ، فصار مثل الصبي المنفوس ، فألقاه في موضع ، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين .
وقوله (
وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ) يقول - تعالى ذكره - : وأنبتنا على
يونس شجرة من الشجر التي لا تقوم على ساق ، وكل شجرة لا تقوم على ساق كالدباء والبطيخ والحنظل ونحو ذلك ، فهي عند العرب يقطين .
واختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم نحو الذي قلنا في ذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا
هشيم ، عن
القاسم بن أبي أيوب ، عن
سعيد بن جبير ، في قوله (
وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ) قال : هو كل شيء ينبت على وجه الأرض ليس له ساق .
حدثني
مطر بن محمد الضبي قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
الأصبغ بن زيد ، عن
القاسم بن أبي أيوب ، عن
سعيد بن جبير ، في قوله (
وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ) قال : كل شيء ينبت ثم يموت من عامه .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
عبد الرحمن قال : ثنا
سفيان ، عن
حبيب ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال : (
شجرة من يقطين ) فقالوا عنده : القرع قال : وما يجعله أحق من البطيخ .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، [ ص: 113 ] عن
مجاهد قوله (
شجرة من يقطين ) قال : غير ذات أصل من الدباء ، أو غيره من نحوه . وقال آخرون : هو القرع .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله (
وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ) قال : القرع .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : ثنا
محمد بن جعفر قال : ثنا
شعبة ، عن
أبي إسحاق ، عن
عمرو بن ميمون ، عن
عبد الله ، أنه قال في هذه الآية : (
وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ) قال : القرع .
حدثني
مطر بن محمد الضبي قال : ثنا
عبد الله بن داود الواسطي قال : ثنا
شريك ، عن
أبي إسحاق عن
عمرو بن ميمون الأودي ، في قوله (
وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ) قال : القرع .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ) : كنا نحدث أنها الدباء ، هذا القرع الذي رأيتم أنبتها الله عليه يأكل منها .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : ثني
أبو صخر قال : ثني
ابن قسيط ، أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة يقول : طرح بالعراء ، فأنبت الله عليه يقطينة ، فقلنا : يا
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة وما اليقطينة ؟ قال : الشجرة الدباء ، هيأ الله له أروية وحشية تأكل من خشاش الأرض - أو هشاش - فتفشح عليه فترويه من لبنها كل عشية وبكرة حتى نبت . وقال
ابن أبي الصلت قبل الإسلام في ذلك بيتا من شعر :
فأنبت يقطينا عليه برحمة من الله لولا الله ألفي ضاحيا
[ ص: 114 ] حدثني
يحيى بن طلحة اليربوعي قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14919فضيل بن عياض ، عن
مغيرة في قوله (
وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ) قال : القرع .
حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله (
شجرة من يقطين ) قال : القرع .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد : أنبت الله عليه شجرة من يقطين قال : فكان لا يتناول منها ورقة فيأخذها إلا أروته لبنا ، أو قال : شرب منها ما شاء حتى نبت .
حدثنا
محمد بن الحسين قال : ثنا
أحمد بن المفضل قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، في قوله (
شجرة من يقطين ) قال : هو القرع ، والعرب تسميه الدباء .
حدثنا
عمرو بن عبد الحميد قال : ثنا
مروان بن معاوية ، عن
ورقاء ، عن
سعيد بن جبير في قول الله : (
وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ) قال : هو القرع .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
جرير ، عن
منصور ، عن
مجاهد قوله (
وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ) قال : القرع .
وقال آخرون : كان اليقطين شجرة أظلت
يونس .
ذكر من قال ذلك :
[ ص: 115 ] حدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ثابت بن يزيد ، عن
هلال بن خباب عن
سعيد بن جبير قال : اليقطين شجرة سماها الله يقطينا أظلته ، وليس بالقرع . قال : فيما ذكر أرسل الله عليه دابة الأرض ، فجعلت تقرض عروقها ، وجعل ورقها يتساقط حتى أفضت إليه الشمس وشكاها ، فقال : يا
يونس جزعت من حر الشمس ، ولم تجزع لمائة ألف أو يزيدون تابوا إلي ، فتبت عليهم ؟