القول في
تأويل قوله تعالى : ( واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب ( 41 )
اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ( 42 ) )
يقول - تعالى ذكره - لنبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - : ( واذكر ) أيضا يا
محمد (
عبدنا أيوب إذ نادى ربه ) مستغيثا به فيما نزل به من البلاء : يا رب (
أني مسني الشيطان بنصب ) فاختلفت القراء في قراءة قوله ( بنصب ) فقرأته عامة قراء الأمصار خلا
أبي جعفر القارئ : ( بنصب ) بضم النون وسكون الصاد ، وقرأ ذلك
أبو جعفر : بضم النون والصاد كليهما ، وقد حكي عنه بفتح النون والصاد ، والنصب والنصب بمنزلة الحزن والحزن ، والعدم والعدم ، والرشد والرشد ، والصلب والصلب . وكان
الفراء يقول : إذا ضم أوله لم يثقل ، لأنهم جعلوهما على سمتين : إذا فتحوا أوله ثقلوا ، وإذا ضموا أوله خففوا . قال : وأنشدني بعض العرب :
لئن بعثت أم الحميدين مائرا لقد غنيت في غير بؤس ولا جحد
[ ص: 210 ] من قولهم : جحد عيشه : إذا ضاق واشتد قال : فلما قال جحد ؛ خفف .
وقال بعض أهل العلم بكلام العرب من
البصريين : النصب من العذاب . وقال : العرب تقول : أنصبني : عذبني وبرح بي . قال : وبعضهم يقول : نصبني ، واستشهد لقيله ذلك بقول
بشر بن أبي خازم :
تعناك نصب من أميمة منصب كذي الشجو لما يسله وسيذهب
وقال : يعني بالنصب : البلاء والشر ، ومنه قول
نابغة بني ذبيان :
كليني لهم يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب
حدثني
بشر بن آدم قال : ثنا
أبو قتيبة قال : ثنا
أبو هلال قال : سمعت
الحسن في قول الله : ( اركض برجلك ) فركض برجله ، فنبعت عين فاغتسل منها ، ثم مشى نحوا من أربعين ذراعا ، ثم ركض برجله ، فنبعت عين ، فشرب منها ، فذلك قوله (
اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب )
وعنى بقوله ( مغتسل ) : ما يغتسل به من الماء ، يقال منه : هذا مغتسل ، وغسول للذي يغتسل به من الماء . وقوله ( وشراب ) يعني : ويشرب منه ، والموضع
[ ص: 211 ] الذي يغتسل فيه يسمى مغتسلا .