[ ص: 246 ] [ ص: 247 ] [ ص: 248 ] [ ص: 249 ] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في
تأويل قوله تعالى : ( تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ( 1 )
إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين ( 2 )
ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون )
يقول - تعالى ذكره - : ( تنزيل الكتاب ) الذي نزلناه عليك يا
محمد ( من الله العزيز ) في انتقامه من أعدائه ( الحكيم ) في تدبيره خلقه ، لا من غيره ، فلا تكونن في شك من ذلك ، ورفع قوله : ( تنزيل ) بقوله : ( من الله ) وتأويل الكلام : من الله العزيز الحكيم تنزيل الكتاب . وجائز رفعه بإضمار هذا ، كما قيل : ( سورة أنزلناها ) غير أن الرفع في قوله : ( تنزيل الكتاب ) بما بعده ، أحسن من رفع سورة بما بعدها ، لأن تنزيل ، وإن كان فعلا فإنه إلى المعرفة أقرب ، إذ كان مضافا إلى معرفة ، فحسن رفعه بما بعده ، وليس ذلك بالحسن في " سورة " ، لأنه نكرة .
وقوله : (
إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق ) يقول - تعالى ذكره - لنبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - : إنا أنزلنا إليك يا
محمد الكتاب ، يعني بالكتاب : القرآن ( بالحق ) يعني بالعدل ، يقول : أنزلنا إليك هذا القرآن يأمر بالحق والعدل ، ومن ذلك الحق والعدل أن تعبد الله مخلصا له الدين ، لأن الدين له لا للأوثان التي لا تملك ضرا ولا نفعا . ،
[ ص: 250 ] وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : ( الكتاب ) قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق ) يعني : القرآن .
وقوله : (
فاعبد الله مخلصا له الدين ) يقول - تعالى ذكره - : فاخشع لله يا
محمد بالطاعة ، وأخلص له الألوهة ، وأفرده بالعبادة ، ولا تجعل له في عبادتك إياه شريكا ، كما فعلت عبدة الأوثان .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
يعقوب ، عن
حفص ، عن
شمر قال : " يؤتى بالرجل يوم القيامة للحساب وفي صحيفته أمثال الجبال من الحسنات ، فيقول رب العزة جل وعز : صليت يوم كذا وكذا ؛ ليقال : صلى فلان! أنا الله لا إله إلا أنا ، لي الدين الخالص . صمت يوم كذا وكذا ، ليقال : صام فلان! أنا الله لا إله إلا أنا لي الدين الخالص ، تصدقت يوم كذا وكذا ، ليقال : تصدق فلان! أنا الله لا إله إلا أنا لي الدين الخالص ، فما يزال يمحو شيئا بعد شيء حتى تبقى صحيفته ما فيها شيء ، فيقول ملكاه : يا فلان ، ألغير الله كنت تعمل " .
حدثنا
محمد قال : ثنا
أحمد قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي أما قوله : (
مخلصا له الدين ) فالتوحيد ، والدين منصوب بوقوع مخلصا عليه .
وقوله : (
ألا لله الدين الخالص ) يقول - تعالى ذكره - : ألا لله العبادة والطاعة وحده لا شريك له ، خالصة لا شرك لأحد معه فيها ، فلا ينبغي ذلك لأحد ، لأن كل ما دونه ملكه ، وعلى المملوك طاعة مالكه لا من لا يملك منه شيئا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
[ ص: 251 ] ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
ألا لله الدين الخالص ) شهادة أن لا إله إلا الله .
وقوله : (
والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) يقول - تعالى ذكره - : والذين اتخذوا من دون الله أولياء يتولونهم ، ويعبدونهم من دون الله ، يقولون لهم : ما نعبدكم أيها الآلهة إلا لتقربونا إلى الله زلفى ، قربة ومنزلة ، وتشفعوا لنا عنده في حاجاتنا ، وهي فيما ذكر في قراءة أبي : " ما نعبدكم " ، وفي قراءة
عبد الله : " ( قالوا ما نعبدهم ) وإنما حسن ذلك لأن الحكاية إذا كانت بالقول مضمرا كان أو ظاهرا ، جعل الغائب أحيانا كالمخاطب ، ويترك أخرى كالغائب ، وقد بينت ذلك في موضعه فيما مضى .
حدثنا
محمد بن الحسين قال : ثنا
أحمد بن المفضل قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال : هي في قراءة
عبد الله : " قالوا ما نعبدهم " .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد في قوله : (
ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) قال :
قريش تقوله للأوثان ، ومن قبلهم يقوله للملائكة
ولعيسى ابن مريم ولعزير .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) قالوا : ما نعبد هؤلاء إلا ليقربونا ، إلا ليشفعوا لنا عند الله .
حدثنا
محمد قال : ثنا
أحمد قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في قوله : (
ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) قال : هي منزلة .
[ ص: 252 ] حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثنا
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس في قوله : (
والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) .
وقوله : (
ولو شاء الله ما أشركوا ) يقول سبحانه : لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) قال : قالوا هم شفعاؤنا عند الله ، وهم الذين يقربوننا إلى الله زلفى يوم القيامة للأوثان ، والزلفى : القرب .
وقوله : (
إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون ) يقول - تعالى ذكره - : إن الله يفصل بين هؤلاء الأحزاب الذين اتخذوا في الدنيا من دون الله أولياء يوم القيامة ، فيما هم فيه يختلفون في الدنيا من عبادتهم ما كانوا يعبدون فيها ، بأن يصليهم جميعا جهنم ، إلا من أخلص الدين لله ، فوحده ، ولم يشرك به شيئا .