القول في
تأويل قوله تعالى ( إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون ( 133 ) )
قال
أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "إذ قال لبنيه" ، إذ قال
يعقوب لبنيه" .
و"إذ" هذه مكررة إبدالا من "إذ" الأولى ، بمعنى : أم كنتم شهداء
يعقوب ، إذ قال
يعقوب لبنيه حين حضور موته .
ويعني بقوله : "ما تعبدون من بعدي" - أي شيء تعبدون "من بعدي" ؟ أي من بعد وفاتي ؟ قالوا : "نعبد إلهك" ، يعني به : قال بنوه له : نعبد معبودك الذي تعبده ، ومعبود آبائك
إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، "إلها واحدا" أي :
[ ص: 99 ] نخلص له العبادة ، ونوحد له الربوبية ، فلا نشرك به شيئا ، ولا نتخذ دونه ربا .
ويعني بقوله : "ونحن له مسلمون" ، ونحن له خاضعون بالعبودية والطاعة .
ويحتمل قوله : "ونحن له مسلمون" ، أن تكون بمعنى الحال ، كأنهم قالوا : نعبد إلهك مسلمين له بطاعتنا وعبادتنا إياه . ويحتمل أن يكون خبرا مستأنفا ، فيكون بمعنى : نعبد إلهك بعدك ، ونحن له الآن وفي كل حال مسلمون .
وأحسن هذين الوجهين - في تأويل ذلك - أن يكون بمعنى الحال ، وأن يكون بمعنى : نعبد إلهك وإله آبائك
إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، مسلمين لعبادته .
وقيل : إنما قدم ذكر
إسماعيل على
إسحاق ، لأن
إسماعيل كان أسن من
إسحاق .
ذكر من قال ذلك :
2089 - حدثني
يونس بن
عبد الأعلى قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : "قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق" قال : يقال : بدأ
بإسماعيل لأنه أكبر .
وقرأ بعض المتقدمين : "وإله أبيك إبراهيم" ، ظنا منه أن
إسماعيل ، إذ كان عما
ليعقوب ، فلا يجوز أن يكون في من ترجم به عن الآباء ، وداخلا في عدادهم . وذلك من قارئه كذلك ، قلة علم منه بمجاري كلام العرب . والعرب لا تمتنع من أن تجعل الأعمام بمعنى الآباء ، والأخوال بمعنى الأمهات . فلذلك دخل
إسماعيل في من ترجم به عن الآباء .
وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، ترجمة عن الآباء في موضع جر ، ولكنهم نصبوا بأنهم لا يجرون .
[ ص: 100 ] والصواب من القراءة عندنا في ذلك : "وإله آبائك" ، لإجماع القراء على تصويب ذلك ، وشذوذ من خالفه من القراء ممن قرأ خلاف ذلك .
ونصب قوله : "إلها" ، على الحال من قوله : "إلهك "