[ ص: 313 ] القول في تأويل قوله تعالى : (
أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين ( 56 ) )
يقول - تعالى ذكره - : وأنيبوا إلى ربكم ، وأسلموا له (
أن تقول نفس ) بمعنى لئلا تقول نفس (
يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ) ، وهو نظير قوله : (
وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ) بمعنى : أن لا تميد بكم ، فأن ، إذ كان ذلك معناه ، في موضع نصب .
وقوله ( يا حسرتا ) يعني أن تقول : يا ندما .
كما
محمد بن الحسين قال : ثني
أحمد بن المفضل قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في قوله : ( يا حسرتا ) قال : الندامة ، والألف في قوله ( يا حسرتا ) هي كناية المتكلم ، وإنما أريد : يا حسرتي ، ولكن العرب تحول الياء فى كناية اسم المتكلم في الاستغاثة ألفا ، فتقول : يا ويلتا ، ويا ندما ، فيخرجون ذلك على لفظ الدعاء ، وربما قيل : يا حسرة على العباد ، كما قيل : يا لهف ، ويا لهفا عليه ، وذكر
الفراء أن
أبا ثروان أنشده :
تزورونها ولا أزور نساءكم ألهف لأولاد الإماء الحواطب
خفضا كما يخفض في النداء إذا أضافه المتكلم إلى نفسه ، وربما أدخلوا الهاء بعد هذه الألف ، فيخفضونها أحيانا ، ويرفعونها أحيانا ، وذكر
الفراء أن بعض
بني أسد أنشد :
[ ص: 314 ] يا رب يا رباه إياك أسل عفراء يا رباه من قبل الأجل
خفضا ، قال : والخفض أكثر في كلامهم ، إلا في قولهم : يا هناه ، ويا هنتاه ، فإن الرفع فيها أكثر من الخفض ، لأنه كثير في الكلام ، حتى صار كأنه حرف واحد .
وقوله : (
على ما فرطت في جنب الله ) يقول على ما ضيعت من العمل بما أمرني الله به ، وقصرت في الدنيا في طاعة الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد قال . ثنا
حكام ، عن
عنبسة ، عن
محمد بن عبد الرحمن ، عن
القاسم بن أبي بزة ، عن
مجاهد في قوله (
يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ) يقول : في أمر الله .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى؛ وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال . ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
[ ص: 315 ] مجاهد ، في قول الله : (
على ما فرطت في جنب الله ) قال : في أمر الله .
حدثنا
محمد قال . ثنا
أحمد قال ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، في قوله : (
على ما فرطت في جنب الله ) قال : تركت من أمر الله .
وقوله : (
وإن كنت لمن الساخرين ) يقول : وإن كنت لمن المستهزئين بأمر الله وكتابه ورسوله والمؤمنين به .
وبنحو الذي قلنا فى ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة في قوله : (
أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين ) قال : فلم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى جعل يسخر بأهل طاعة الله ، قال : هذا قول صنف منهم .
حدثنا
محمد قال . ثنا
أحمد قال ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي (
وإن كنت لمن الساخرين ) يقول : من المستهزئين بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وبالكتاب ، وبما جاء به .