القول في تأويل
قوله تعالى : ( أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين ( 57 )
أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ( 58 ) )
يقول - تعالى ذكره - : وأنيبوا إلى ربكم أيها الناس ، وأسلموا له ، أن لا تقول نفس يوم القيامة : يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ، فى أمر الله ، وأن لا تقول نفس أخرى : لو أن الله هداني للحق ، فوفقني للرشاد لكنت ممن اتقاه بطاعته واتباع رضاه ، أو أن لا تقول أخرى حين ترى عذاب الله فتعاينه (
لو أن لي كرة ) تقول لو أن لي رجعة إلى الدنيا (
فأكون من المحسنين ) الذين
[ ص: 316 ] أحسنوا في طاعة ربهم ، والعمل بما أمرتهم به الرسل .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ) . . . الآية ، قال : هذا قول صنف منهم (
أو تقول لو أن الله هداني ) . . . الآية ، قال . هذا قول صنف آخر : (
أو تقول حين ترى العذاب ) الآية ، يعني بقوله (
لو أن لي كرة ) رجعة إلى الدنيا ، قال : هذا صنف آخر .
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله : (
أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ) قال : أخبر الله ما العباد قائلوه قبل أن يقولوه ، وعملهم قبل أن يعملوه ، قال : (
ولا ينبئك مثل خبير ) (
أن تقول نفس ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله )
أو تقول لو أن الله هداني ) . . . إلى قوله : (
فأكون من المحسنين ) يقول : من المهتدين ، فأخبر الله سبحانه أنهم لو ردوا لم يقدروا على الهدى ، وقال (
ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) وقال : (
ونقلب أفئدتهم وأبصارهم ) كما لم يؤمنوا به أول مرة ، قال : ولو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى ، كما حلنا بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا .
وفي نصب قوله ( فأكون ) وجهان ، أحدهما : أن يكون نصبه على أنه جواب لو والثاني : على الرد على موضع الكرة ، وتوجيه الكرة في المعنى إلى : لو أن لي أن أكر ، كما قال الشاعر :
فما لك منها غير ذكرى وحسرة وتسأل عن ركبانها أين يمموا ؟
[ ص: 317 ]
فنصب " تسأل " عطفا بها على موضع الذكرى ، لأن معنى الكلام : فما لك ب " يرسل " على موضع الوحي في قوله : ( إلا وحيا ) .