القول في تأويل قوله تعالى : (
ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ( 60 ) )
يقول - تعالى ذكره - : (
ويوم القيامة ترى ) يا
محمد هؤلاء (
الذين كذبوا على الله ) من قومك فزعموا أن له ولدا ، وأن له شريكا ، وعبدوا آلهة من دونه (
وجوههم مسودة ) ، والوجوه وإن كانت مرفوعة بمسودة ، فإن فيها معنى نصب ، لأنها مع خبرها تمام ترى ، ولو تقدم قوله مسودة قبل الوجوه ، كان نصبا ، ولو نصب الوجوه المسودة ناصب في الكلام لا في القرآن ، إذا كانت المسودة مؤخرة كان جائزا ، كما قال الشاعر :
ذريني إن أمرك لن يطاعا وما ألفيتني حلمي مضاعا
[ ص: 319 ]
فنصب الحلم والمضاع على تكرير ألفيتني ، وكذلك تفعل العرب في كل ما احتاج إلى اسم وخبر ، مثل ظن وأخواتها ، وفي " مسودة " للعرب لغتان : مسودة ، ومسوادة ، وهي في أهل
الحجاز يقولون فيما ذكر عنهم : قد اسواد وجهه ، واحمار ، واشهاب . وذكر بعض نحويي
البصرة عن بعضهم أنه قال : لا يكون افعال إلا في ذي اللون الواحد نحو الأشهب ، قال : ولا يكون في نحو الأحمر ، لأن الأشهب لون يحدث ، والأحمر لا يحدث .
وقوله : (
أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ) يقول : أليس في جهنم مأوى ومسكن لمن تكبر على الله ، فامتنع من توحيده ، والانتهاء إلى طاعته فيما أمره ونهاه عنه .