القول في تأويل قوله تعالى : (
قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ( 64 )
ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ( 65 ) )
[ ص: 322 ]
يقول - تعالى ذكره - لنبيه : قل يا
محمد لمشركي قومك ، الداعيك إلى عبادة الأوثان : ( أفغير الله ) أيها الجاهلون بالله ( تأمروني ) أن ( أعبد ) ولا تصلح العبادة لشيء سواه . واختلف أهل العربية في العامل ، في قوله ( أفغير ) النصب ، فقال بعض نحويي
البصرة : قل أفغير الله تأمروني ، يقول : أفغير الله أعبد تأمروني ، كأنه أراد الإلغاء ، والله أعلم ، كما تقول : ذهب فلان يدري ، حمله على معنى فما يدري . وقال بعض نحويي
الكوفة : " غير " منتصبة بأعبد ، و " أن " تحذف وتدخل ، لأنها علم للاستقبال ، كما تقول : أريد أن أضرب ، وأريد أضرب ، وعسى أن أضرب ، وعسى أضرب ، فكانت في طلبها الاستقبال ، كقولك : زيدا سوف أضرب ، فلذلك حذفت وعمل ما بعدها فيما قبلها ، ولا حاجة بنا إلى اللغو .
وقوله : (
ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك ) يقول - تعالى ذكره - : ولقد أوحى إليك يا
محمد ربك ، وإلى الذين من قبلك من الرسل (
لئن أشركت ليحبطن عملك ) يقول : لئن أشركت بالله شيئا يا
محمد ، ليبطلن عملك ، ولا تنال به ثوابا ، ولا تدرك جزاء إلا جزاء من أشرك بالله ، وهذا من المؤخر الذي معناه التقديم . . ومعنى الكلام : ولقد أوحي إليك لئن أشركت ليحبطن عملك ، ولتكونن من الخاسرين ، وإلى الذين من قبلك ، بمعنى : وإلى الذين من قبلك من الرسل من ذلك ، مثل الذي أوحي إليك منه ، فاحذر أن تشرك بالله شيئا فتهلك .
ومعنى قوله : (
ولتكونن من الخاسرين ) ولتكونن من الهالكين بالإشراك
[ ص: 323 ] بالله إن أشركت به شيئا .