القول في
تأويل قوله تعالى : ( وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ( 75 ) )
[ ص: 343 ]
يقول - تعالى ذكره - : وترى يا
محمد الملائكة محدقين من حول عرش الرحمن ، ويعني بالعرش : السرير .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
وترى الملائكة حافين من حول العرش ) محدقين .
حدثنا
محمد قال : ثنا
أحمد قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي (
وترى الملائكة حافين من حول العرش ) قال : محدقين حول العرش ، قال : العرش : السرير .
واختلف أهل العربية في وجه دخول " من " في قوله : (
حافين من حول العرش ) والمعنى : حافين حول العرش .
وفي قوله : (
ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ) فقال بعض نحويي
البصرة : أدخلت " من " في هذين الموضعين توكيدا ، والله أعلم ، كقولك : ما جاءني من أحد ، وقال غيره : قبل وحول وما أشبههما ظروف تدخل فيها " من " وتخرج ، نحو : أتيتك قبل زيد ، ومن قبل زيد ، وطفنا حولك ومن حولك ، وليس ذلك من نوع : ما جاءني من أحد ، لأن موضع " من " في قولهم : ما جاءني من أحد رفع ، وهو اسم .
والصواب من القول في ذلك عندي أن " من " في هذه الأماكن ، أعني في قوله (
من حول العرش ) ومن قبلك ، وما أشبه ذلك ، وإن كانت دخلت على الظروف فإنها بمعنى التوكيد .
وقوله : (
يسبحون بحمد ربهم ) يقول : يصلون حول عرش الله شكرا له ، والعرب تدخل الباء أحيانا في التسبيح ، وتحذفها أحيانا ، فتقول : سبح بحمد الله ، وسبح حمد الله ، كما قال - جل ثناؤه - : (
سبح اسم ربك الأعلى ) ، وقال في موضع آخر : (
فسبح باسم ربك العظيم ) .
[ ص: 344 ]
وقوله : (
وقضي بينهم بالحق ) يقول : وقضى الله بين النبيين الذين جيء بهم ، والشهداء وأممها بالعدل ، فأسكن أهل الإيمان بالله ، وبما جاءت به رسله الجنة . وأهل الكفر به ، ومما جاءت به رسله النار (
وقيل الحمد لله رب العالمين ) يقول : وختمت خاتمة القضاء بينهم بالشكر للذي ابتدأ خلقهم الذي له الألوهية ، وملك جميع ما في السموات والأرض من الخلق من ملك وجن وإنس ، وغير ذلك من أصناف الخلق .
وكان
قتادة يقول في ذلك ما حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
يسبحون بحمد ربهم ) . . . الآية ، كلها قال : فتح أول الخلق بالحمد لله ، فقال : الحمد لله الذي خلق السموات والأرض ، وختم بالحمد فقال : (
وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ) .
آخر تفسير سورة الزمر
[ ص: 345 ]